يعد الفخر الرازى نموذجا للعالم الذى لا يتوقف عند علم معين، بل أخذ من كل العلوم بحظ وافر، مما جرّ عليه الأحقاد، وزاد له فى الحسّاد، فى حياته وبعد مماته، فقد نشأ الرازى فى البيئة الإيرانية فى القرن السادس الهجرى، وبدايات الصراح بين المغول والمسلمين، وما سبق زحفهم على بلاد الإسلام والعراق بخاصة، وتدنّى الحضارة الإسلامية بسبب الصراعات والانقسامات بين دويلات العالم الإسلامى آنذاك، فالرى العاصمة الكبرى والمدينة العظمى لبلاد إيران وخراسان وخوارزم، وما كانت تموج به من فكر وثقافة وعلم، تحولت فى عهد الرازى إلى دمار وخراب، لولا فطنة بعض السلاطين مثل شهاب الدين الغورى سلطان غزنة، وعلاء الدين خوارزم شاه صاحب خراسان، فى الحفاظ على الدين واللغة والعلوم، لما وجدنا مثل الرازى، وغيره من العلماء الكبار الذين حملوا مشعل العلم والحضارة للعالم كله، يصححون المعوج من العقائد، ويقيمون الصحيح من الشريعة الإسلامية، ويدافعون عن الدين بكل ما رزقهم الله تعالى به من فهم ثاقب، وإخلاص نادر.
عاش الرازى فى هذا العصر المضطرب، متعلما ودارسا على والده ضياء الدين خطيب الرى، وصاحب كتاب «غاية المرام فى علم الكلام»، وقد أخذ أبوه علم الأصول والكلام عن تلامذة الجوينى إمام الحرمين الذى أخذ عن أبى إسحاق الأسفراييني، والذين أخذوا الأصول عن أبى الحسن الأشعرى، وكذلك تفقه الفخر الرازى على والده الذى تفقه على الإمام البغوى الذى تفقه على مذهب الشافعى