"أجاب يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلّم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هنا"(يوحنا ١٨/ ٣٦)، فمملكته روحانية، في الجنة، وليست مملكة اليهود المنتظرة، المملكة الزمانية المادية، التي يخشاها الرومان، و"المعروف من النبوات أن مسِيا سيكون ملكاً وكاهناً". (١)
لذلك ثبتت براءته من هذه التهمة في بلاط بيلاطس الذي سأله قائلاً ": أنت ملك اليهود؟ فأجابه وقال: أنت تقول، فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع: إني لا أجد علّة في هذا الإنسان"(لوقا ٢٣/ ٢ - ٤)، فجواب المسيح لا يمكن اعتباره بحال من الأحوال إقراراً، فهو يقول له: أنت الذي تقول ذلك، ولست أنا، وقد اقتنع بيلاطس ببراءته فقال:" أنا لست أجد فيه علة واحدة"(يوحنا ١٨/ ٣٨).
وفي إنجيل يوحنا أن المسيح بيّن لبيلاطس أن سبب إرساليته الشهادة للحق وليس التملك على البشر، فقد قال:" أنت تقول: إني ملك، لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم، لأشهد للحق، كل من هو من الحق يسمع صوتي"(يوحنا ١٨/ ٣٧).
وممن أدرك أن عيسى - عليه السلام - ليس المسيح المنتظر يهوذا الأسخريوطي الذي يرى القس الخضري أن سبب خيانته للمسيح أنه كان من طائفة الغيورين التي تحلم بمجيء المسيا القادم الظافر، فتبددت آماله، وساورته شكوك في مسيانية المسيح " بعد أن سمع في كفر ناحوم عظة السيد عن خبز الحياة الذي سيكون طعاماً للآخرين، فكيف يمكن أن يكون المسيا ذبيحة، ونحن نريد مسيا عسكرياً قوياً يحرر من العدو؟ ولقد ازدادت شكوكه في مسيانية يسوع عندما سمعه يأمر بطرس بدفع الجزية للمستعمر
(١) الإنجيل بحسب القديس لوقا، الأب متى المسكين، ص (٧١٥).