ووسط هذه الأحداث، وخلافاً لكل التوقعات أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الروم سينتصرون على الفرس في بضع سنين، أي فيما لا يزيد عن تسع سنين، فقد نزل عليه قوله:{غلبت الروم - في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون - في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون - بنصر الله}(الروم: ٢ - ٥).
وكان كما تنبأ، ففي عام ٦٢٣، ٦٢٤، ٦٢٥م استطاع هرقل أن يتخلص من لهوه ومجونه، وشن ثلاث حملات ناجحة أخرجت الفرس من بلاد الشام، وفي عام ٦٢٧م واصل الرومان زحفهم حتى وصلوا إلى ضفاف دجلة داخل حدود الدولة الفارسية، واضطر الفرس لطلب الصلح مع الرومان، وأعادوا لهم الصليب المقدس الذي كان قد وقع بأيديهم، فمن ذا الذي أخبر محمداً - صلى الله عليه وسلم - بهذه النبوءة العظيمة؟ إنه النبي الذي تنبأ عنه موسى عليه السلام.
يقول المؤرخ إدوار جِبن:"في ذلك الوقت، حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعاً، لأن السنين الاثنتي عشر الأولى من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء الإمبرطورية الرومانية". (١)
روى الترمذي عن ابن عباس في قول الله تعالى:{غلبت الروم - في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون - في بضع سنين} قال: كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم، لأنهم وإياهم أهل الأوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل الكتاب، فذكروه لأبي بكر،
(١) تاريخ سقوط وانحدار الإمبراطورية الرومانية، إدوار جبن (٥/ ٧٤).