للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فعندما وصلت هذه المرة، وكانت زوجي معي وقد قررنا أن تتعرف على بلادي، وجدت وجه المدينة قد تغيّر، فشعرت بذلك منذ الكلمات الأولى بيني وبين الحمّال الذي تكلف بحقائبنا منذ نزولنا من الباخرة، لم يكن الحمّال يتكلم لغة عربية يراعي فيها قواعد الإعراب، ولكنها سليمة من حيث المفردات واللهجة، كلغتنا الدارجة في نواحي تبسة ...

ولقد أخذ يزداد إعجابي به وهو يقودنا إلى فندق الحمامات، لما لاحظت في هيئته من سمات الكرامة النفسية، حتى وصلنا تحت لافتة (نادي الترقي)، وربما كانت أول لافتة بالخط العربي في العاصمة، فقال دليلنا:

- أنا من مريدي الشيخ (العقبي) في هذا النادي حيث يعطي درسه كل مساء.

ولم تكن ظاهرة التغير التي شاهدتها على وجه رجل الشارع وفي هيئته وكلامه، وفي هذه اللافتة المكتوبة بالخط العريض، لم تكن تعني إلا شيئاً واحداً هو أن موجة الإصلاح قد وصلت إلى هنا، وأيقنت أن هذا التغير البسيط ستتلوه تغيرات جذرية لا محالة ولو لم أكن بعد أتصورها، ولم تكن تتصورها في ذلك الحين الإدارة الاستعمارية كما ثبت ذلك فعلاً بعد عشرين سنة. وبالفعل فإن السلطات لم تكن على بصيرة مما بدأ يحدث نصب عينيها.

ولكن الواقع لم يتركنا يوماً من الأيام لأحلامنا وضربنا في المجهول. وقد كان همي أن أرتب أمر زوجي في أسرة مسلمة تقضي فيها وقت العطلة، وذلك كيلا أفاجئ والدتي بزواجي عسى أن أهيئ فكرها بالتدريج قبل عودتي من تبسة، وكان في ذهني أن أستعين في هذه الترتيبات بالشيخ (العقبي)، وها هو ذا الحمّال يدلني عليه، فانطلقت إليه بعدما رتبت أمر زوجي بالفندق، فوجدته في درسه اليومي وسط حلقة أكثرها من عمال الميناء ومن صغار صيادي السمك

<<  <   >  >>