ليست الغاية من هذه المقدمة تقديم كتاب للقارئ، كما هو مألوف، إنما أردت أن أكشف الظروف المثيرة التي ألقت إليّ بهذه المخطوطة فاتجهت لنشر قسم منها في هذا الكتاب.
لكل امرئ ما تعود. ومن عادتي في بعض الأحيان أن أؤدي صلاة العصر في المسجد، حينما يخلو من الذين أدركوا الصلاة وراء الإمام في وقتها.
المكان شبه خالٍ إذن، وكنت أختار هذه الساعة بالذات لأستجمع نفسي في سكينة المسجد.
كان ذلك في مسجد قسنطينة المسترجع بعد ما ظل طوال قرن كاتدرائية المدينة. وكنت قد عدت إلى الجزائر منذ ثلاثة أيام أو أربعة وقد مضى على التحرر سنة كاملة.
عندما خلعت حذائي متأهباً لدخول المسجد، ألقيت نظرة فاحصة إلى داخله. فالمكان يتحدث بتاريخه أكثر مما يتحدث عنه طراز بنائه. واخترت ركنا في داخل المسجد مجانب المنبر القديم نائياً بنفسي عن ضجيج الشارع، وكانت أشعة الأصيل تتسرب من خلال الزجاج بين أعمدة المسجد.
وقفت في زاويتي أشرع في الصلاة. وكنت في الركعة الثانية من صلاة العصر أطيل السجود أكثر مما يفعل الناس في الجزائر؛ فهذه عادة حملها الزائرون للديار المقدسة حينما تتاح لهم فرصة المرور بالقاهرة والصلاة في مسجد الحسين بالقرب من الأزهر. وبينما أنا في سجود هذه الركعة تناهى إلى سمعي وقع