للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

خطوات على السجادة ورائي، فما إن اقترب صاحبها مني حتى انسحب إلى الوراء. وعندما رفعت رأسي حانت مني التفاتة لا شعورية إلى جانبي الأيمن، فرأيت على مقربة من ركبتي ربطة حسنة التغليف.

أكملت صلاتي حسب العادة، ثم حيّيت وسلمت ونظرت ورائي فلم أجد أحداً، ثم نظرت يمنة ويسرة فلم أجد أحداً؛ فالذي وضع الربطة قد اختفى.

ولكن ماذا في هذه الربطة؟. أخذتها بين يدي فوجدتها مغلفة بعناية بورق مقوى وملتصق جيداً. وما إن لمستها حتى تبينت أنها كانت تضم أوراقاً، فنزعت عنها الغلاف الخارجي، إنها صفحات مكتوبة بخط دقيق لكنه مقروء جيداً، وعلى الصفحة الأولى رأيت العنوان (مذكرات شاهد للقرن) مكتوباً بخط أكبر ذي حروف مستديرة.

قرأت صفحة ثم أتبعتها بأخري. إنه شيء مثير، فكل جزائري يحسن الكتابة من أبناء جيلي يستطيع أن يكتب مثلها.

ثم قرأت بعض الصفحات فوقعت على اسم من يمكن أن يكون مؤلفها.

(صديق) .... من هو الصديق؟

إنه منذ الصفحة الأولى يبدو أنه واحد من مواليد قسنطينة ومن مواليد سنة ١٩٠٥ فهو إذن رجل من أبناء جيلي. هذا كل ما في الأمر.

هل يجب أن أعيد إليه أوراقه، ولأي صديق أعيدها؟

ولكن أليس في نشرها إرجاع لها إليه؟ فربما كانت هذه رغبته بالذات.

فليتقبل القارئ إذن هذا الكتاب على أنه أفكار جزائري أراد أن يتحدث إليه من وراء حجاب محتفظاً باسمه لنفسه.

مدينة الجزائر ٥ أيار (مايو) ١٩٦٦م

مالك بن نبي

<<  <   >  >>