للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ترَاد لتكميل الْمُكَلّفين، ورعايته سُبْحَانَهُ لذَلِك مَعَ استغنائه عَن كل مَا سواهُ ضرب من الْكَرم، ومظهر من مظَاهر الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَالرَّحْمَة بالعباد١ والحقيقة أَن موقف الأشاعرة هَذَا مُشْتَمل على تنَاقض، إِذْ من الْمَعْرُوف أَنهم جَمِيعًا يَقُولُونَ بمشروعية الْقيَاس فِي الْأُصُول، وَلَا قِيَاس بِدُونِ تَعْلِيل، بل اتّفق جَمِيع الْقَائِلين بِالْقِيَاسِ أَن أَحْكَام الله تَعَالَى شرعت لتحقيق مصَالح الْعباد٢.

وَقد حاول عدد من الْعلمَاء دفع هَذَا التَّنَاقُض وتقريب شقة الْخلاف بَين المثبتين والمنكرين.

فَقَالَ الشَّيْخ ابْن عاشور: "وَالْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا بَين الْمُتَكَلِّمين اخْتِلَافا يشبه أَن يكون لفظياً، فَإِن جَمِيع الْمُسلمين اتَّفقُوا على أَن أَفعَال الله تَعَالَى ناشئة عَن إِرَادَة وَاخْتِيَار وعَلى وفْق علمه، وَأَن جَمِيعهَا مُشْتَمل على حكم ومصالح ... وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَنَّهَا أتوصف بِكَوْنِهَا أغراضاً وعللا غائية أم لَا؟ " ثمَّ نبه إِلَى أَن المنكرين قد اضطروا إِلَى هَذَا الْإِنْكَار فِرَارًا من المقولات والالتزامات الاعتزالية الَّتِي تجْعَل القَوْل بِالتَّعْلِيلِ مُقَدّمَة لِلْقَوْلِ بِوُجُوب الصّلاح والأصلح على الله٣.

أما الدكتور البوطي فقد ذهب إِلَى توفيق آخر، فَهُوَ يرى أَن التَّعْلِيل الْمَنْفِيّ هُنَا غير الْمُثبت هُنَاكَ. فالمنفي هُنَا هُوَ "الْعلَّة الَّتِي يقصدها الفلاسفة وَهِي مَا يُوجب الشَّيْء لذاته ... وَلَا ريب أَنه لَا يَصح أَن ينْسب هَذَا التَّعْلِيل إِلَى أَفعَال الله تَعَالَى بِأَيّ حَال" والمثبت هُنَاكَ عِنْد أهل السّنة هِيَ: "الَّتِي يثبتونها للْأَحْكَام فِي بحث الْأُصُول، فَهُوَ الْعلَّة الجعلية الَّتِي تبدو لنا كَذَلِك إِذْ جعلهَا الله تَعَالَى


١ - انْظُر أصُول التشريع الإسلامي لعَلي حسب الله ص ٢٩٥.
٢ - انْظُر ضوابط الْمصلحَة ص ٩٠، ٩١.
٣ - التَّحْرِير والتنوير ١ / ٣٧٩ - ٣٨١.

<<  <   >  >>