ومن شأن النفس أن تتبع ما عزها، وبعد من إدراكها، فإذا ظفرت بما هذه سبيله بعد إعمالها الحيلة فيه، كان استمتاعها بالظفر به أكثر منه بما وقع عليها فتيسر، وانقياد لها متسمحاً.
وهذا شبيه بما تأوله يحيى بن خالد البرمكي في توصيته ولده، بتقديم العدات أمام الهبات، فأنه قال لهم: إن الموعد إذا تخيل فصدق، وانتظر فطرق، وأستنجح فأنجح، أمتع من مفاجأة البرّ.
ولو أن محاول حرب، أو مقارع جيش، هلك عدوه قبل مكافحته إياه حتف أنفه، أو انفلَّ جيشه من سوء تدبيره فانصرف، أو جاءه ضاعاً طالباً لأمانه، لما كان مقدار السرور بذلك كمقداره لو نازله فقهره، أو بارزه فأسره. وهذا بين في الملاعب بالشطرنج فأن أحذق الاثنين بها وأعلمهما بتدبيرها إذا تبين التفاوت بينه وبين الآخر، ورآه متتابع الخطأ، عميّاً عن الاحتراز، متورطاً في الاغترار، مفرقاً عدده، مستهيناً لفنائه وتناقصه، محتملاً للطرح، لم يلتذ بملاعبته، ولم يحل له قمره.
ولو أن ملكاً يهدى له في كل يوم عدد كثير من أصناف الوحش والطير، لم يبلغ فرحه بذلك جزءاً واحداً من اغتباطه بقنبرة ضئيلة يدأب في صيدها، أو عكرشة هزيلة يظفر بها، وكم من جواد رائع يضن بظهره على أحب أولاده إليه قد قتله بازياره، ولو أن الصيد أمكن مريغه في أول إثارته لنقص ذلك من لذته، وقدح في موقعه.
وقال بعض المحدثين:
لولا طراد الصيد لم يك لذة ... فتَطاردي لي بالوصال قليلا
هذا الشراب أخو الحياة وما له ... من لذة حتى يصيب غليلا
وأخذ هذا محمد بن الوزير الحافظ الغساني فكساه لفظاً حسناً في كلمة له يعتذر فيها من تأخير هدية: