فمن ذلك الكَلَب والذُبْحَةُ والجرب والنقْرس والفلج. فأما الكلب فيقال فيه على مذهب من المذاهب أنه جنون، ويقول فيه أصحاب الطبائع أنه كيموسٌ سوداوي يفعل في الاعداء والمخالطة للَحم المعضوض فعل السِمّام، وهو موجود عياناً، يُحيل مزاجَ الإنسان إلى مزاج الكلب حتى يحيل الذكَرَ فيخرج من إحليله مثال اكلبٍ صغار وقلما رأيت هذا الداء يعتري كلاب سلوق، وإذا عَضّ برأ هو، وانتقل الداء إلى المعضوض. وللمعضوض ضروب من الأدوية في أوقاتٍ، فأن فاتت لم ينجع الدواء.
وزعمت العرب أن دماء الملوك تشفي من الكلب، وقد أكثرت من ذلك في أشعارها، واختلف الناس في معناه فذهب قوم إلى أن الشعراء إنما خبَّرت بذلك على سفك دماء الملوك. وقال قوم: إنما المعنى أن قتل الملوك يشفى من التأثر، لأن الإنسان إذا كان له في قوم ثأر لم يكن يشفي صدره أن يقتل به إلا الأكفاء، أو من هو أعلى من قبيله ومنه قول زهير:
وإن يُقتلوا فيشتفي بدمائهم ... وكانوا قديماً من مناياهم القتل
وهذا الوجه أشبه بالمعنى في هذا الداء. واخبر رجل لا أشك في ثقته وصدقه أن رجلاً اعترضه كَلْب كَلْب فأومى ليعضَّه فتلقَّى فمه بكمّه، فأصابه من أسنانه ولعابه. ومضى لشأنه وشمّر كمّه وأقام مشمّراً له ساعات، ثم أنه نشره فتساقط منه جراءٌ صغار.
وأما الذّبحة فقد زعمت الأطباء أن من أجود ما يُستعمل للذبحة