فرسي بغصن من أغصانها، ثم جلست تحتها، إذا رجل يطرد مسحلاً واتاناً، فلما قرب مني إذا عليه درع صفراء، وعمامة خز سوداء، وإذا شعرته تنال فروع كتفيه، فقلت في نفسي غلام حديث عهد بعرس، اعجلته لذة الصيد، فنسي ثوبه وأخذ ثوب امرأته، فما لبث أن لحق المسحل فصرعه ثم ثنى طعنة للأتان، وأقبل وهو يقول:
نطعنهم سُلكى ومخلوجة ... كَرّك لامَيْنِ على نابل
فقلت له: إنك قد تعبت وأتعبت فلو نزلت، فثنى رجله ونزل، فشد فرسه بغصن من أغصان الشجرة، ثم جلس معي فجعل يحدثني حديثاً ذكرت قول الشاعر:
وإن حديثاً منك لو تبذلينه ... جَنى النحل في إعجاز عوذ مطافل
فبينا هو كذاك إذ نكت بالسوط على ثنيتيه فما ملكت نفسي أن قبضت على السوط وقلت: مه فقال: ولم؟ قلت أخاف أن تكسرهما أنهما رقيقتان قال: وهل عذبتان ثم رفع عقيرته يتغنى:
إذا قَبَّل الإنسان آخر يشتهي ... ثناياه لم يأثم وكان له أجرا
فإن زاد زاد الله في حسناته ... مثاقيل يمحو الله عنه بها الوِزرا