الغامرة؟ قال: لا نبات فيها، قال: أنا أُقطعك خمس مائة جريب في فيافي بني أسد، قال: فقد جعلنا لك المائتين عامرة، بقي لك شيء؟ قال: أقبل يدك، قال: أما هذه فدعها، قال: ما منعت عيالي شيئاً أهون من فقداً من هذا.
وقيل لبعض من كان مدمناً على الصيد من حكماء الملوك، أنك قد أدمنت هذا وهو خير الملاهي وفيه مشغلة عن مهم الأمور ومراعاة الملك. فقال: إن للملك في مداومة الصيد حظوظاً كثيرة أقلها تبينه في أصحابه مواقع العمارة من بلاده في النقصان والزيادة فيه، فأن رأى من ذلك ما يسره بعثه الاغتباط على الزيادة فيه وأن رأى ما ينكره جرد عنايته له ووفرها على تلافيه، فلم يستتر منه خلل، ورأس الملك العمارة، ولم يخرج ملك لصيد فرجع بغير فائدة، أما دوابه فيمرنها ويكف من غرب جماحها، وأما شهوته فينسئها، وأما فضول بدنه فيذيبها، وأما مراود مفاصله فيسلسها، وأما أن يكون قد طويت عنه حال مظلوم فيتمكن من لقائه، ويبوح إليه بظلامته، فيسلم من مأثمه. وأما أن ينكفئ بصيد يتفاءل بالظفر به إلى خصال كثيرة لا يخيل ما فيها من الربح.
وقيل للزاهد المشغوف بالصيد: لو التمست معاشاً غير هذا، فقال: ادن لا أحد مثله، أن هذا معاش يجدي عليَّ من حيث لا أعامل فيه أحداً وأنفرد به من الجملة وأسلم فيه من الفتنة، وألتمسه في الخلوات والفلوات، وهي مواضع أهل السياحة ومظان أولي العبادة، وقلمَّا خلوت من حيوان عجيب في خلقه، لطيف فيما يلهمه الله من احتيال رزقه، يحدث لي فكره في عظيم قدرة الله جل وعزّ على تصاريف الصور،