للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: "فإن قيل: من أين لكم أنّه لم يفعله، وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم؟ فهذا سؤال بعيد جدًّا عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه، ولو صحّ السؤال وقُبِل (١) لاستحبَّ لنا مستحبٌّ الأذان للتراويح، وقال: من أين لكم أنّه لم يُنْقَل؟ واستحبَّ لنا مستحبٌّ آخر الغُسلَ لكلّ صلاة، وقال: من أين لكم أنّه لم ينقل؟ ... واستحبّ لنا آخر صلاة ليلة النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب وقال: من أين لكم أنّ إحياءها لم يُنقل؟ وانفتح بابُ البدعة، وقال كلُّ من دعا إلى بدعة: من أين لكم أنّ هذا لم يُنقل". "إعلام الموقعين" (٢/ ٤٤٠) (٢).

أقول: والسؤال الذي فرضَه مردودٌ إجماعًا، ويكفي لدفعه من الشرع [ص ٢٧] قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، وما عُلِم من الدين بالضرورة بأنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، وكتابه خاتم الكتب، وشريعته خاتمة الشرائع. ومن جهة العقل والعادة ما عُلِم بالتواتر من شِدّة حرص النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على تبليغ جزئيات الدين، وحرص أصحابه ــ مع كثرتهم ــ على حفظ ذلك وتبليغه إلى من بعدهم وهلمّ جرًّا، حتّى لقد أنكر بعضُ العلماء الحديثَ الذي يجمع شروط الصحة ولكنه فرد، وأنكر مالكٌ كثيرًا من الأحاديث الصحيحة؛ لأنّه وجد عملَ أهلِ المدينة على خلافها. وكذا أبو حنيفة رحمه الله فإنّه يتردّد في الأحاديث الأفراد إذا خالفت العمل.


(١) الأصل: "وقيل" خطأ. والمثبت من "الإعلام".
(٢) (٤/ ٢٦٤ - ٢٦٥).

<<  <   >  >>