للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاختصاص عن بقية المساجد بهذه المزية العظيمة، التي هي التقرُّب إلى الله تعالى بشدّ الرحال إليها.

وكلُّ واحد من هذه المقاصد الأربعة التي دلّ عليها هذا اللفظ القبيح الشنيع كفرٌ بلا مِرْية، فمتى قَصَد أحدَهما فلا نزاع في كفره، وإن أطلق فالذي يتجه الكفر أيضًا؛ لما علمتَ أنّ الّلفظ ظاهر في الكفر، وعند ظهور اللفظ فيه لا يحتاج إلى نية كما عُلِم من فروع كثيرة مرّت وتأتي.

وإن أُوِّل بأنّه لم يُرِد إلا هذا البيت لكونه أعجوبةً في بلده، يكون ذلك سببًا في مجيء الناس إلى رؤيته، كما أنّ عَظَمة تلك المساجد اقتضت شدّ الرحال إليها، قُبِل منه ذلك، ومع ذلك فيُعَزَّر التعزير البليغ بالضرب والحبس وغيرهما بحسب ما يراه الحاكم، بل لو رأى اقتضاءَ (١) التعزيرِ إلى القتل كما سيأتي عن أبي يوسف لأراح الناسَ من شرِّه ومجازفته، فإنّه بلغ فيها الغايةَ القصوى. تاب الله علينا وعليه آمين". "الإعلام" ص ٣٦ (٢).

والحاصل أنّ محلّ الاحتياط إنّما هو عند الاشتباه، كما يُروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه رأى تمرةً مُلقاة فقال: "لولا أنّي أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها" (٣). كأنّه كان وجدها في موضع يحتمل أن تكون من تمر الصدقة وأن تكون من غيره، والاحتمالان متكافئان ولو كان في موضعٍ


(١) في المطبوعة: "إفضاء".
(٢) (ص ٢٥٣ - ٢٥٤ - ط دار إيلاف).
(٣) أخرجه أحمد (٦٧٢٠) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وحسَّنه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (٢/ ٩٩)، وقال الهيثمي في "المجمع": (٣/ ٨٨): رجاله موثقون.

<<  <   >  >>