وسأقصر في شرح فضلهم لأني لست مدرك إثبات جميع فعلهم.
ومنهم " السلاطين " الآخذين القضاء قسراً والمتعاطون القول في هؤلاء الطائفة التي سلبت أزاهر المجد ولطائفه.
أنهم أكرم من الرياح إذا هبت وأندى من السحاب إذا صبت وأشجع من السود عند استبسالها، وأدفع الكرب للمنجود من القوس لنبالها، وردوا المكارم فأبن حاتم وبعثوا العزائم فكم قامت ما أكتم ما فيهم سوى متقلداً هندية ومعتقلاً سمهرية فوارس عددها ثلاثة آلاف وثلاثة آلاف منبدق بين مخيف ومخوف، طوبى لما لمهم، وأف وقف لمقاومهم لو قلت أنهم أعلام على أطوار لا صبت أو ملت أنهم من بقايا قوم عاد لما كذبت، نعم.
ومنهم " النوى " ذوو الشرف للمكرمات والجوى الساكنين من الأراضي أنجدها والمدركين من الغابات أمجدها لا عيب فيهم سوى أنهم لا يتبعون معروفهم عقولهم قد عظمت وأمورهم قد نظمت ما من دجى ينجلي أو صباح يجتلى إلا ومناديهم.
يا طالب الغوث والأنجادي ... أقبل فنحن لك منجاء
ومن تصاريف المتون ملجأ، ألف فوارسنا وألفان رجل تجانسنا، فأطرح رهبك من ضدك، واسأل جميع حوائجك فلا تردك فكيف يدرك هؤلاء الأمجدين من طمع في حقوقهم إلى يوم الدين، قلت أما هؤلاء فكرام، وأما الطمع في لحوقهم فحرام.
ومنهم القبيلة " الصبحية " ذوو الفضائل والحمية الشاهد بفضلهم أضدادهم والعاجز اللسن البليغ عن تعدادهم، ذوو الهبات السنية والشيمة العربية والأنفس الكرام في طباعها.
والحاوية لمسالك الحمية بإجماعها، كم فرقوا من مصيبة، وكم أرهقوا من كتيبة وأسالوا البطاح بالدم النجيع حتى اسقوا مبارزيهم السم النقيع، هذا وعدد فوارسهم ألفان وأما الشاكون السلاح منهم على أقدامهم سعة بالعدد زائدة ثمانون لا يولون أدبارهم ولا تقاس بنار المتكرمين نارهم صانوا أعراضهم عن دنس الملام، وخلوا بين أجسامهم النواعم وبين الصائبات من السهام، ومنهم قبائل لم يفصح عنهم الراوي ولا يحوي عددهم على اختلاف طبقاتهم حامي، اقتصرت منهم على هؤلاء المرقومين، واكتفيت بالتلويح عن التصريح، والتبين فللناظر في هذه الطوائف المتصلة كنسف الكعوب والرافضة مسالك اللوم عن أعراضها، ودنس الجيوب أن ينظر بصفاء البديهة نظر الوامق، وأن يعيش بعين بصيرته اللاحق منهم بالسابق وهؤلاء كلهم في قبضة الملك السعيد السديد والأغر الفريد الذي لم يسمح الواصفون بتكميل وصفه، ولا حكت الجون الغوادي في النوال شابيب كفه تاج الملوك وأسماها وأقدمها إلى الذرة العلياء واسناها، الفارج الكرب العظيم بمثله، والقاطع لزلات الزمان بعدله، رب الفضائل ومنشيها والمضرم نيران الحروب وغاشيها، الذي يهوى معذرة الدهر لذوي الإملاق والمتبع هممه بعزائم ما أدرك بصنعها في الحقيقة رب الطاق، القول فيه أنه رحمة للعاملين، وحجة قاطعة على المبطلين، فضائله لا تحصر، وغصون كتائبه في الحروب لا تهصر. كم من عزائم عزمها، وكتائب لم يهزمها ريب المنون هزمها، تاهت لياليه على سائر الأيام، وأشرقت بعد غروب الجونة عزته، فأين جنح الظلام خدمته السعود بطولها وأنشدته الليالي الحوالك بقولها:
لقد حسنت بك الأيام ... حتى كأنك في فم الدهر ابتسام
كم صدحت في الأيك بلابل سعده وأنشد عندليب مكرماته على أفنان بساتين علاه ومجده، فأصغت لذلك العندليب المسامع.
وخابت المساعي في العمل فرد أبعدها أدناها أتهم في الجود وأنجد وقرب ذوى الفضل والدناءة ابعد. منصف المظلوم من الغاشم كيف لا وهو من سلالة هاشم، مالك الفضل ووراثة، وواجد المعروف وحادثة، سجدت لمدائن لمدينته، وتحلت صنعاء اليمن يوم سورها بزينته بلد أوصافها ممنوعة وأغصانها موضوعة وفضائل غيرها بها مجموعة، هواءها النسيم وماؤها التنسيم، برزت في غلائلها، فغالت القلوب وأحرزت الضد في ثمائلها فغادرت، كل ضد إلى ضده مصحوب، خيزلت أقرانها بمشيتها وافتخرت على سائر الأقطار بوشيها أن مآست باعتلال الطرف ونحرها جاست خلال الديار بسحرها، عاشتها ممنوع الوصال، ووعدها أكذب من طيف الخيال، نظرت إلى حذاتها من همم لهن ناقصة فتاهت عليهن بجمال وجهها راقصة وهبت أنفاس نسيم السحر فتنفست عن عبير، وبهت السماء بنور القمر فقالت: جَبيني المنير، وجاء الورد بغلالة فقالت له: وما أخجلك: وحنى الغصن الرطيب بثمائله فقالت له: