التقسيم الثاني للشرك -وهو جعله ثلاثة أقسام-: أكبر، وأصغر، وخفي، وهذا التقسيم يعني به أن الأكبر: ما كان مخرجا من الملة؛ مما فيه صرف العبادة لغير الله- جل جلاله-، والأصغر: ما كان وسيلة لذلك الشرك الأكبر، وفيه تنديد لا يبلغ به أن يخرج من الإسلام، وقد حكم الشارع على فاعله بالشرك، وحقيقة الحال: أنه ندد وأشرك.
وأما الشرك الخفي، فهو: كيسير الرياء، ونحو ذلك. وبعض أهل العلم يقول بالتقسيم الأول، ومنهم من يقول بالثاني. والتحقيق أنهما متساويان، أحدهما يوافق الآخر، وليس بينهما اختلاف. فإذا سمعت من يقول: إن الشرك ينقسم إلى أكبر، وأصغر: فقوله هذا صحيح، وإذا سمعت من يقول - وهو قول أئمة الدعوة -: إن الشرك ينقسم إلى أكبر وأصغر وخفي: فهذا -أيضا- قوله صحيح.
فإذا تبين ذلك، فاعلم أن الشرك يعبر عنه بالتنديد، كما قال - جل وعلا -: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}[البقرة: ٢٢][البقرة: ٢٢] ، «وقال النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا، وهو خلقك»(١) .
فالتنديد منه ما هو تنديد أعظم، ومنه ما هو تنديد أصغر ليس فيه صرف العبادة لغير الله، فإذا كان التنديد بجعل العبادة لغير الله: صار التنديد شركا أكبر، وإذا كان التنديد بجعل غير الله -جل وعلا - ندا لله في عمل، ولم يبلغ ذلك الشرك الأكبر: فإنه يكون تنديدا أصغر، وهو المسمى بالشرك الأصغر،
(١) أخرجه البخاري (٤٧٦١) و (٦٨١١) و (٧٥٢٠) مسلم (٨٦) (١٤١) .