الموضع، فهذا: شرك أكبر، وهذا هو الذي كان يصنعه أهل الجاهلية؛ ولهذا، فإن فعلهم يشمل ثلاثة أشياء - كما سبق -:
١ - التعظيم، أي تعظيم العبادة، وهذا لا يجوز إلا لله، فتعظيمهم بهذه الصورة، واعتقاد أنهم يتوسطون لهم: هو نوع من عبادتهم، وشرك جلي.
٢ - أنهم عكفوا عندها ولازموها، والعكوف والملازمة نوع عبادة، فإذا عكف ولازم تقربا، ورجاء، ورغبة، ورهبة، ومحبة، فهذا نوع من العبادة.
٣ - التبرك.
وإذًا فيكون الشرك الأكبر: ما ضم هذه الثلاثة. وإذا تأملت ما يصنعه عباد القبور والخرافيون في الأزمنة المتأخرة وفي زماننا هذا: وجدت أنهم يصنعون مثل ما كان المشركون الأولون يصنعون عند اللات، وعند العزى، وعند ذات أنواط، ويعتقدون في القبر، بل يعتقدون في الحديد الذي يُسيَّج به القبر، فترى الناس في البلاد التي يفشو فيها الشرك يعتقدون في الحائط الذي على القبر، أو في الشباك الحديدي الذي يحيط بالقبر، فإذا تمسحوا به فكأنهم تمسحوا بالمقبور، واتصلت روحهم به، واعتقدوا أنه سيتوسط لهم؛ لأنهم عظموه، فهذا شرك أكبر بالله - جل وعلا -؛ لأن فعلهم هذا: راجع إلى تعلق القلب في جلب النفع، وفي دفع الضر بغير الله - جل وعلا - وجعْله وسيلة إلى الله - جل وعلا - كفعل الأولين الذين قال الله فيهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣]
وأما الحال الأخرى التي نبهتك في أول المقام عليها، فكمن يجعل بعض التمسحات أسبابا: مثل ما ترى من بعض الجهلة ممن يأتي إلى الحرم، ويتمسح