ولهذا فإن حقيقة الاستعاذة لغة، ودلالتها شرعا هي: طلب العوذ، أو طلب العياذ؛ وهو الدعاء المشتمل على ذلك، والاستغاثة هي: طلب الغوث وهو دعاء مشتمل على ذلك، وهكذا في كل ما فيه طلب نقول: إنه دعاء، وإذا كان دعاء فإنه يكون عبادة، والعبادة حق لله وحده دون من سواه، كما قام الإجماع على هذا، ودلت النصوص عليه، كقوله سبحانه:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن: ١٨][الجن: ١٨] وكقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء: ٢٣][الإسراء: ٢٣] كقوله: أيضا: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}[النساء: ٣٦][النساء: ٣٦] إذًا: فكل فعل من الأفعال، أو قول من الأقوال فيه طلب: يكون عبادة؛ لأنه دعاء؛ وكل طلب: فهو دعاء. والطلب يختلف نوعه ومسماه باختلاف المطلوب منه: فإذا كان الطلب من مقارن: فيسمى التماسا، وإذا كان ممن هو دونك: فيسمى أمرا، وإذا كان ممن هو أعلى منك: فيسمى دعاء. والمستعيذ والمستغيث، لا شك أنه طالب ممن هو أعلى منه؛ لحاجته إليه؛ فلهذا يصح أن يكون كل دليل فيه ذكر إفراد الله - جل وعلا - بالدعاء أو بالعبادة، دليلا على خصوص هذه المسألة، وهي: أن الاستعاذة من العبادات العظيمة، وإذ كانت كذلك، فإن إفراد الله بها واجب.
وقوله هنا:" من الشرك الاستعاذة بغير الله ": هذا الغير شامل لكل من يتوجه إليهم بالعبادة، ويشركونهم مع الله، ويدخل في ذلك - بالأولية - ما كان المشركون الجاهليون يتوجهون إليهم بالعبادة: من الجن، والملائكة،