طلب العياذ والملجأ، فيجوز أن يتوجه بها إلى المخلوق، وعلى هذا يحمل الدليل الوارد في جوازها.
فحقيقة الاستعاذة إذًا تجمع بين الطلب الظاهر، والمعنى الباطن؛ ولهذا اختلف أهل العلم في جواز طلبها من المخلوق، فالذي ينبغي أن يكون منك دائما على ذكر: أن توجُّه أهل العبادات الشركية لمن يشركون به من الأولياء، أو الجن، أو الصالحين، أو غيرهم، أنهم جمعوا بين القول باللسان، وأعمال القلوب التي لا تصلح إلا لله - جل وعلا -، وبهذا يبطل ما يقوله أولئك الخرافيون من: أن الاستعاذة بهم إنما هي فيما يقدرون عليه، وأن الله أقدرهم على ذلك؛ فيكون إبطال مقالهم راجعا إلى جهتين:
الجهة الأولى: أن يُبطل قولهم بأن يقال: إن هذا المَيْت، أو هذا الجني يقدر على هذا الأمر الذي طلب منه، فإذا لم يقتطع بذلك، أو حصل عنده اشتباه ما، انتقل الجني إلى الجهة الثانية من الإبطال: وهو إثبات أن الاستعاذة فيها توجه بالقلب إلى المستعاذ به واضطرار إليه، واعتصام به، وافتقار إليه؛ وهذا الذي توجه إلى ذلك الميت أو الولي قد قامت هذه المعاني بقلبه، ولا يجوز أن يكون شيء من ذلك إلا لله وحده - عز وجل -.
فنقول إذًا: الاستعاذة بغير الله شرك أكبر؛ لأنها صرف عبادة لغير الله - جل جلاله -. لكن إن كان الاستعاذة في الظاهر فقط مع طمأنينة القلب بالله وتوجهه إلى الله، وحسن ظنه بالله، وأن هذا العبد إنما هو سبب، وأن القلب مطمئن لما عند الله فإن هذه تكون استعاذة بالظاهر، وأما القلب: فإنه لم تقم به حقيقة الاستعاذة. وإذا كان كذلك: كان هذا جائزا.