على عظم شأن هذه الآيات التي افتُتِحَت بالنهي عن الشرك. والنبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ دعوته بالأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن الشرك، واختتمها أيضا - كما دل عليه كلام ابن مسعود هذا - بالأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك فدل ذلك على كونه أولى المطالب، وأول المطالب، وأهم المطالب.
ثم قال بعد ذلك: «وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: " يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا» (١) وموطن الشاهد من هذا الحديث هو قوله: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» وهذا قد مرَّ بيان معناه، لكن الشاهد من هذا الحديث، ومناسبته للابتداء - ابتداء كتاب التوحيد: أنه أتى فيه بلفظ (حق) الذي في قوله: «أتدري ما حق الله على العباد " ثم قال: " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» وهذا الحق حق واجب لله - جل وعلا - لأن الكتاب والسنة، بل ولأن المرسلين جميعا أتوا بهذا الحق، وبيانه، وبيان أنه أوجب الواجبات على العباد.
ثم قال:«وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا»
قوله:(حق العباد على الله) معناه: أن هذا حقٌّ أحقه الله على نفسه باتفاق أهل العلم، وأوجبه على نفسه، كما في بعض أقوالهم، كما قاله الشيخ تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله -.