" ليكرمه "، أي: إظهارا لفضل الشافع، وإكرام الله - تعالى - له في ذلك المقام، فإن من المعلوم: أن الشافع - الذي قبلت شفاعته - ليس في المقام مثل المشفوع له؛ فالله - جل وعلا - يظهر إكرامه لمن أذن له أن يشفع، ويظهر رحمته بالشافع؛ فقد تكون للشافع قرابة، أو أحباب يريد أن يشفع لهم، ولذلك: فإن الشفاعة يوم القيامة لأهل الكبائر: ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل يشفع - أيضا - الأنبياء، والملائكة، والصالحون. فهذه شفاعات مختلفة في أهل الكبائر جعلها الله إكراما للشافع، ورحمة به، وأيضا: رحمة بالمشفوع له، وإظهارا لفضل الله - جل وعلا - على الشافع، والمشفوع له.
فالحاصل: أن حقيقة الشفاعة تكون بتفضيل الله - تعالى - على المأذون له بالشفاعة ليشفع وإكرامه بذلك، ثم تفضله على المشفوع له ورحمته بقبول الشفاعة فيه. وهذا كله دال - لمن كان له قلب - على عظم الله - جل وعلا - وتفرده بالملك، وتفرده بتدبير الأمر وأنه - سبحانه - الذي يجير ولا يجار عليه، وهو الذي له الشفاعة كلها، وهو الذي له ملك الأمر كله؛ ليس لأحد منه شيء، وإنما يظهر - سبحانه - فضله، وإحسانه، ورحمته، وكرمه؛ لتتعلق به القلوب، فبطل - إذا - أن يكون ثم تعلق للقلب بغير الله - جل وعلا - لأجل الشفاعة، وبطل - أيضا - صنيع الذي تعلقوا بالأولياء، أو تعلقوا بالصالحين، أو بالأنبياء، أو بالملائكة لأجل الشفاعة، فإذا تبين حد الشفاعة، وحقيقتها، وأنها محض فضل من الله سبحانه وتعالى وإكرام، أوجب ذلك تعلق القلوب به سبحانه في طلب الشفاعة، ورجائها؛ فالله تعالى هو المتفضل بها على الحقيقة، والعباد مكرمون بها، لا يبتدئون بالقول، ولا يسبقون بالقول، وإنما يجلون، ويخافون، ويثنون على الله، ويحمدون، حتى يؤذن لهم بالشفاعة.