والاقتداء بهم، مع المحبة، والاحترام، والموالاة، والنصرة، وغير ذلك من المعاني الداخلة في الحد المأذون به في حقهم. أما الغلو فيهم مجاوزة ذلك الحد، وهو بحر لا ساحل له، فمما حصل من الغلو فيهم أنهم جعلت فيهم خصائص الإلهية كما ادعاه في حق نبينا صلى الله عليه وسلم أنه يعلم سر اللوح والقلم، وأنه من جوده الدنيا وضرتها كما قاله البوصيري في قصيدته المشهورة، المسماة بـ (البردة) :
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
ومن المعلوم: أن هذا لا يليق إلا بالله، فهذا من الغلو المنهي عنه، وكذلك قوله في النبي عليه الصلاة والسلام، غاليا فيه أعظم الغلو:
لو ناسبت قدره آياته عظما ... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
يقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يعط آية تناسب قدره، قال الشراح: حتى القرآن لا يناسب قدر النبي صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله. يقولون: والقرآن المتلو بخلاف غير المتلو عند الأشاعرة؛ لأنهم يفرقون بين هذا وهذا.
فهذا البوصيري يغلو ويقول: لو ناسبت قدره - يعني النبي عليه الصلاة والسلام - آياته عظما - يعني في العظمة - أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم، فالذي يناسب قدره، عند البوصيري أنه إذا ذكر اسمه على ميت قد درس، وذهب رميمه في الأرض، وذهبت عظامه أن تتجمع هذه العظام وتحيى، لأجل ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم عليه، وهذا من أنواع الغلو الذي يحصل من الذين يعبدون غير الله - جل وعلا - ويتوجهون إلى الأنبياء والرسل، ويجعلون في حقهم من خصائص الألوهية ما لا إذن لهم به، بل هو من الشرك الأكبر