" وعن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله»(١) هذا الحديث فيه: النهي عن إطرائه عليه الصلاة والسلام، والإطراء هو: مجاوزة الحد - أيضا - في المدح، أما الغلو فهو يعم أمور كثيرة؛ فقد يكون في المدح، وقد يكون في الذم، وقد يكون في الفهم، وقد يكون في العلم، وقد يكون في العمل، أما الإطراء فهو: الغلو في المدح، والثناء والوصف. والنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن إطرائه كإطراء النصارى ابن مريم، فقال:«إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» .
وقد ظن بعض الناس أن (الكاف) في قوله «كما أطرت النصارى ابن مريم» أنها كاف المثلية؛ يعني: لا تطروني بمثل ما أطرت النصارى ابن مريم، ويقول هذا الظان: إن النصارى أطرت ابن مريم في شيء وحد، وهو أن قالوا: هو ابن الله جل وعلا، فيكون النهي عن أن تجعل له صلى الله عليه وسلم رتبة النبوة فقط، فإذا كان كذلك فما عداه جائز. وهذا هو فهم الخرافيين لهذا النهي؛ كما قال قائلهم البوصيري في هذا المقام:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت فيه واحتكم
أو كما قال، يعني: لا تقل: إنه ولد لله، أو إنه ابن لله، فهذا هو القدر المنهي عنه فقط، ولك أن تقول فيه بعد ذلك ما شئت غير ملوم وغير مثرب عليك.
الوجه الثاني وهو الفهم الصحيح، وهو الذي يدل عليه السياق: أن (الكاف) هنا هي كاف القياس، والمعنى: لا تطروني إطراء، كما أطرت النصارى ابن مريم.