وكاف القياس هي كاف التمثيل الناقص، وحقيقتها: أن يكون هناك شبه بين ما بعدها وما قبلها في أصل الفعل، فنهى صلى الله عليه وسلم في قوله:«لا تطروني كما أطرت» عن أن يطري عليه الصلاة والسلام كما حصل أن النصارى أطرت ابن مريم فهو تمثيل للحدث بالحدث، لا تمثيل أو نهي عن نوع الإطراء، فمعنى قوله:«لا تطروني كما أطرت» هو نهي عن إطرائه عليه الصلاة والسلام؛ لأجل أن النصارى أطرت ابن مريم، فقادهم ذلك إلى الكفر، والشرك بالله، وادعاء أنه ولد لله جل وعلا ولهذا قال:«إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» .
فالكاف هنا ليست كاف التمثيل الكامل؛ بأن يكون ما بعدها مماثلا لما قبلها من كل وجه، وإنما هي كاف التمثيل الذي يكون ما بعده مشتركا مع ما قبله في المعنى، وهي القياسية التي تجمعها العلة؛ ولهذا قال العلماء كما هو معلوم: هذا كهذا، فيقولون مثلا: نبيذ غير التمر والعنب، كنبيذ التمر والعنب، مساواة بين هذا وهذا، لوجود أصل المعنى بينهما، وهنا نهي عن الإطراء، لأجل وجود أصل الإطراء، في الاشتراك بين إطراء النصارى وما سببه من الشرك، وإطراء ما لو أطري النبي صلى الله عليه وسلم وما سيسببه من الشرك.
وكثير من طوائف هذه الأمة خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن إطرائه حتى جاوزوا الحد في ذلك، فزعم زاعمهم أن له من الملك نصيبا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. مع أنه صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى ما ينبغي أن يكون عليه الأمر بقوله:«إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» وهذا هو الكمال في حقه عليه الصلاة والسلام: أن يكون عبدا رسولا، فهذا أشرف مقاماته عليه الصلاة والسلام.