ونهى عنه، مع أن المغلظ عليه لم يعبد إلا الله جل وعلا، ولم يعبد صاحب القبر، لكنه اتخذ ذلك المكان رجاء بركته، ورجاء تنزل الرحمات - كما يقولون - ورجاء تنزل النسمات، والفضل من الله عليه، فاختاره لأجل بركته، ولكنه لم يعبد إلا الله - جل وعلا - ومع ذلك لعن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الصنف الذين يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد.
قوله:" فيمن عبد الله " يعني: أنه لم يشرك بالله، بل عبد الله وحده؛ بأن صلى لله مخلصا، أو دعا لله مخلصا، أو تضرع واستغاث واستعاذ بالله - جل وعلا - مخلصا.
لكنه تحرى إيقاع هذه العبادات عند قبر رجل صالح لأجل البركة.
والرجل الصالح - كما سبق أن ذكرنا - هو المقتصد: الذي أتى بالواجبات، وابتعد عن المحرمات، أو السابق بالخيرات؛ وهو أعلى درجة، فالصالحون من الرجال والنساء: مقامات: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ}[آل عمران: ١٦٣][آل عمران: ١٦٣] وَبَعْض أهل العلم يعبر في تعريف الرجل الصالح بقوله: الصالح من عباد الله، هو: القائم بحقوق الله؛ القائم بحقوق عباده، وهذا تعبير صحيح؛ ولأن المقتصد قائم بحقوق الله، قائم بحقوق عباده، أتى بالواجبات، وانتهى عن المحرمات، وأعظم منه درجة: السابق بالخيرات. فأهل السبق بالخيرات من العباد، لا يجوز أن تعظم قبورهم، وأن يغلي فيها بظن أن البقعة التي حول قبورهم بقعة مباركة، فإن هذا الفعل قد جاء فيه الوعيد الذي سيأتي في هذا الباب، وغلظ - عليه الصلاة والسلام - فيه على فاعله.