والنصارى» واللعنة هي: الطرد والإبعاد من رحمة الله، وذلك يدل على أنهم فعلوا كبيرة من كبائر الذنوب، لأن البناء على القبور، واتخاذ قبور الأنبياء مساجد، هو من وسائل الشرك، وكبيرة من الكبائر.
وقوله:«اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» فيه بيان السبب الذي لأجله استحقوا اللعن، وهو: أنهم اتخذوا قبور الأنبياء مساجد. وفي تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ القبور مساجد، ولعن فاعله وهو في السياق: ما يقوم مقام آخر وصية أوصى بها. ومع ذلك: خالف كثير من هذه الأمة وصيته عليه الصلاة والسلام. واتخاذ القبور مساجد يكون على إحدى صور ثلاث:
الصورة الأولى: أن يسجد على القبر، يعني: أن يجعل القبر مكان سجوده، فقوله:«اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يعني: جعلوا القبر مكان السجود. وهذه الصورة في الواقع لم تحصل بانتشار؛ لأن قبور الأنبياء لم تكن مباشرة للناس، بحيث يمكنهم الصلاة عليها، أو السجود عليها بل كانوا يعظمون قبور أنبيائهم فلا يصلون عليها مباشرة. لكن أبلغ صور الاتخاذ المفهوم من قوله:«اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» هو: أن يتخذ القبر نفسه مسجدا، يعني: يصلي عليه مباشرة، وهذه أفظع تلك الأنواع وأشدها، وأعظمها، وسيلة إلى الشرك والغلو بالقبر.
الصورة الثانية: أن يصلي إلى القبر، ومعنى اتخذه مسجدا في هذه الحالة: أن يكون أمامه القبر، يصلي إليه بحيث يجعله قبلة، فإنه يكون بذلك قد اتخذ القبر وما حوله له حكمه: مكانا للتذلل والخضوع. والمسجد لا يعني به مكان السجود، الذي هو وضع الجبهة على الأرض فقط، وإنما يعني به مكان