التذلل والخضوع، فاتخاذ قبورهم مساجد، يعني: جعلوها قبلة لهم؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي إلى القبر؛ لأجل أن الصلاة إليه وسيلة من وسائل التعظيم، وهذا يوافق قول الشيخ - رحمه الله - في الباب " باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح "، فالمفهوم من قوله:" عند قبر رجل صالح " هذه الصورة المتقدمة، وهي: أن يكون القبر أمامه، فيجعل القبر بينه وبين القبلة تعظيما للقبر.
الصورة الثالثة: أن يتخذ القبر مسجدا، بأن يجعل القبر في داخل بناء، وذلك البناء هو المسجد، فإذا دفن النبي قام أولئك بالبناء عليه، فجعلوا حول قبره مسجدا واتخذوا ذلك المكان للتعبد وللصلاة فيه، هذه هي الصورة الثالثة، وهي أيضا موافقة لقول الشيخ - رحمه الله - " عند قبر رجل صالح ".
وهذا يبين لك بعض المناسبة في إيراد هذا الحديث في هذا الباب.
وقول عائشة رضي الله عنها " يحذر ما صنعوا " فيه إشارة إلى السبب الذي لأجله لعن النبي - عليه الصلاة والسلام - اليهود والنصارى، وهو يعالج ويعاني سكرات الموت؛ وهو أنه أراد تحذير الصحابة من أن يحذوا في ذلك الأمر حذو أهل الكتاب. وقد قبل الصحابة رضوان الله عليهم تحذيره، وعملوا بوصيته. ومعنى قولها - رضي الله عنها:" ولولا ذلك أبرز قبره ". يعني: لأظهر، وجعل قبره مع سائر القبور في البقيع أو غير ذلك، ولكن كان من العلل التي جعلتهم لا ينقلونه عليه الصلاة والسلام من مكانه الذي توفي فيه إلى المقبرة: قوله عليه الصلاة والسلام: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت: يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، فهذه إحدى العلتين.