أخذوا من الروضة الشريفة التي هي روضة من رياض الجنة، كما قال عليه الصلاة والسلام:«ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة»(١) قدر ثلاثة أمتار، لكي يبنوا الجدار الثاني، ثم الجدار الثالث وأخذوا أكثر من ثلاثة أمتار لإقامة السور الحديدي، فهذا من أعظم التطبيق والعمل بوصيته عليه الصلاة والسلام؛ حيث إنهم أخذوا من الروضة، وأجازوا أن يأخذوا من المسجد؛ لأجل أن يحمى قبر النبي - عليه الصلاة والسلام - من أن يتخذ مسجدا، وهذا - ولا شك - يدل على عظيم فقه من قاموا بذلك العمل، ففصل القبر عن المسجد بهذه الكيفية التي وصفت، هو من رحمة الله - جل وعلا - بهذه الأمة، ومن إجابة دعوة النبي - عليه الصلاة والسلام - لما دعا بقوله فيما سيأتي بعد هذا الباب:«اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» .
إذن فقوله عليه الصلاة والسلام:«لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا» ، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يتخذ قبره مسجدا.
والموجود اليوم في المسجد النبوي قد تكون صورته عند من لم يحسن التأمل، وعند غير الفقيه صورة قبر في داخل مسجد، وليست الحقيقة كذلك؛ لوجود الجدارين المختلفة التي تفصل بين المسجد وبين القبر؛ ولأن الجهة الشرقية منه ليست من المسجد؛ ولهذا لما جاءت التوسعة الأخيرة، كان مبتدؤها من جهة الشمال بعد نهاية الحجرة بكثير، حتى لا تكون الحجرة في وسط المسجد؛ فيكون ذلك من اتخاذ قبره مسجدا عليه الصلاة والسلام.
(١) أخرجه البخاري (١١٩٦) و (١١٨٨) و (٦٥٨٨) و (٧٣٣٥) .