فالمقصود من هذا البيان: أن قبر النبي عليه الصلاة والسلام ما اتخذ مسجدا، وأن وصيته عليه الصلاة والسلام في التحذير قد أخذ بها في مسجده وفي قبره، ولكن خالفتها بعض الأمة في قبور بعض الصالحين من هذه الأمة، فاتخذوا قبور بعض آل البيت مساجد وعظموها، كما تعظم الأوثان.
" ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال:«سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا» : سبب ذلك: أن الخلة هي أعظم درجات المحبة، وهي التي تتخلل الروح، وتتخلل القلب، وشغاف الصدر، بحيث لا يكون ثم مكان لغير ذلك الخليل؛ ولهذا فإن النبي - عليه الصلاة والسلام - ليس له من أصحابه خليل؛ ولهذا قال:«ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا» .
ووجه الشاهد من هذا الحديث قوله بعد ذلك:«ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» : وجاء في رواية أخرى أيضا: «كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» ، وهذا هو الذي وقع في هذه الأمة، ولا شك أنه وسيلة من وسائل الشرك.
ومناسبة الحديث للباب ظاهرة وهي: أنه حرم اتخاذ قبور والأنبياء والصالحين مساجد، مع أنه قد يكون العابد لا يعبد إلا الله؛ لأنها وسيلة من وسائل