للصلاة عند القبر يجعل القاصد من شرار الناس كما وصفهم النبي - عليه الصلاة والسلام - بذلك.
ومناسبة هذا الحديث للباب ظاهرة فإنه ذكر أن من شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد، والقصد من اتخاذ القبر مسجدا: أن يعبد الله عند قبر ذلك الرجل الصالح، فكيف حال الذي توجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام بالعبادة؟ ؟ !! والحال أن القبر لا يخلص إليه، ولكن الاستغاثة بالنبي عليه الصلاة والسلام، وتأليهه قد يقعان بحسب الاعتقادات، وبحسب المناداة، كما حصل من الجاهليين مناداة الملائكة، واتخاذ الملائكة آلهة مع الله جل جلاله. وكذلك المتخذون الأولياء معبودين، هم من أشر الناس الذين وصفهم النبي - عليه الصلاة والسلام - بقوله «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد» ، فإن الذي اتخذ القبر مسجدا ملعون بلعنة النبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان لم يعبد إلا الله جل وعلا، فكيف حال الذي عبد صاحب ذلك القبر؟ !! نسأل الله العافية والسلامة من كل وسائل الشرك.
وتأمل هذا مع ما فشا في بلاد المسلمين من بناء القباب والمشاهد على القبور، وتعظيم هذا الفعل المنكر، وتحسينه، وتوجيه الناس إليه، وإلى التعلق بالمقبورين، وذكر الحكايات الطويلة في مناقب أولئك الأولياء، وفي إجابتهم للدعوات، وإغاثتهم للهفات، ونحو ذلك يتبين لك غربة الإسلام أشد غربة في هذه الأزمنة وما قبلها، فكيف إذا قالوا: إن ذلك جائز، وذلك توحيد؟ ! بل كيف إذا اتهموا من نهاهم عن ذلك بعدم المعرفة، وعدم الفهم، وهو يدعوهم إلى الله - جل وعلا - وهم يدعونه إلى النار.؟ نسأل الله السلامة والعافية.
" باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله ". الغلو في قبور الصالحين: وسيلة من وسائل الشرك، بل قد يصل الغلو إلى أن يكون شركا بالله - جل وعلا - وأن يصير ذلك القبر وثنا يعبد؛ فالغلو درجات، وقد تقدم في الأبواب قبله ذكر بعض صور هذا الغلو في القبور، وهنا بين أن الغلو يصل إلى أن تصير تلك القبور أوثانا تعبد من دون الله. وإذا قلنا: إن الغلو هو: مجاوزة الحد. فمعناه هنا في هذا الباب: هو مجاوزة الحد في الصفة التي ينبغي أن يكون عليها القبر؛ إذ صفتها في الشرع واحدة، ولم يأت عن الشارع دليل في تمييز قبور الصالحين عن غيرهم، بل الوارد وجوب أن تتساوى من حيث الصفة، فلا يفرق بين قبر صالح أو طالح؛ فالقبر إما أن يكون في ظاهر مسنما، وإما أن يكون مربعا، وهذه الصورة من حيث الظاهر واحدة.