فنهى النبي - عليه الصلاة والسلام - عن الكتابة على القبر، أو تجصيصه، أو رفعه في أنواع من السنن التي جاءت في أحكام القبور، إنما لأجل سد الطرق التي توصل إلى الغلو في قبور الصالحين.
فمجاوزة الحد في قبور الصالحين هي مجاوزة لما أمر الشارع أن تكون عليه القبور؛ لأن قبور الصالحين لا تختلف عن قبور غير الصالحين. فالغلو فيها يكون بالكتابة عليها، أو برفعها، أو بالبناء عليها، أو باتخاذها مساجد، وكل هذا من الوسائل المؤدية إلى الشرك الأكبر. ومن صور الغلو في قبور الصالحين، أن تجعل وسيلة من الوسائل التي تقرب إلى الله جل وعلا، أو أن يتخذ القبر أو من في القبر شفيعا لهم عند الله جل وعلا، أو ينذر للقبر، أو يذبح له، أو يستشفع بترابه؛ اعتقادا أنه وسيلة عند الله جل وعلا، ونحو ذلك من أنواع الشرك الأكبر بالله تبارك وتعالى.
فالغلو في قبور الصالحين يكون بمجاوزة ما أذن فيها، ومن المجاوزة ما هو من وسائل الشرك، ومنها ما هو شرك صريح كاتخاذ القبور أوثانا تعبد من دون الله جل وعلا؛ ولهذا قال - رحمه الله -: " باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا "، وقوله:" يصيرها " يعني: يجعلها؛ فقد يكون جعل الوسائل للغايات، يعني: أن الغلو صار وسيلة لاتخاذها أوثانا، وقد يكون الغلو جعلها وثنا يعبد من دون الله جل وعلا.
وهذا هو الواقع والمشاهد في كثير من بلاد الإسلام: في أن القبور صارت أوثانا تعبد من دون الله، لما أقيمت عليها المشاهد والقباب، ودعي الناس إليها، وذبح لها، وقبلت النذور لها، وصار يطاف حولها، ويعكف عندها، ونحو ذلك من أنواع الشرك الأكبر بالله.