قوله: " روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، واشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
قوله «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» هذا دعاء، ورغب منه صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى ألا يقع ذلك بقبره. ولو كان ذلك لا يقع أصلا، ولا يمكن أن يقع، لما دعا النبي عليه الصلاة والسلام بذلك الدعاء العظيم، وهو أن لا يجعل قبره وثنا يعبد، كما جعلت قبور غيره من الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - فإن عددا من قبور الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - اتخذت أوثانا تعبد من دون الله، وفي قوله:«اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» دليل على أن القبر يمكن أن يكون وثنا يعبد. فالغاية أن يكون القبر وثنا يعبد؛ وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» دعاء منه بأن لا تتحقق هذه الغاية التي من وسائلها ما جاء في قوله بعد ذلك: «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . وهذا هو غلو الوسائل، فاتخاذ قبور الأنبياء مساجد غلو من غلو الوسائل، يصير تلك القبور أوثانا. فالنبي عليه الصلاة والسلام جمع في هذا الحديث بين ذكر الوسيلة، والتنفير منها، وبيان اشتداد غضب الله على من فعلها، وذكر نهاية ما تصل إليه تلك الوسيلة بأصحابها، وهي: أن تكون القبور أوثانا تعبد من دون الله جل وعلا.
فهذا الحديث صريح في أن القبر يمكن أن يكون وثنا، والخرافيون يقولون: إن القبور لا يمكن أن تكون أوثانا، والأوثان هي أوثان الجاهلية وأصنام الجاهلية فقط. فنقول في الرد عليهم: إن الجاهليين إذا كانوا قد تعلقوا