للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

فمما يسمى سحرا: البيان، كما جاء في آخر الباب " إن من البيان لسحرا" والبيان ليس سحرا فيه استعانة بالشياطين، ولكنه داخل في حقيقة السحر اللغوية؛ لأن له تأثيرا خفيا على القلوب، فإن الرجل البليغ البيان، وذا الإيضاح، وذا اللسان الفصيح يؤثر في القلوب حتى يسبيها، وربما قلب الحق باطلا والباطل حقا ببيانه، فسمي سحرا لخفاء وصوله إلى القلوب وقلب الرأي وفهم المخاطب من شيء إلى آخر.

وكذلك ما ذكر من أن الطيرة من السحر، فالطيرة نوع اعتقاد، وكذلك العيافة وهي شبيهة بها أو بعض أنواعها، كذلك الخط في الرمل، ونحو ذلك، من الأشياء التي ربما أطلق عليها أنها سحر وهي ليست كالسحر الأول في الحد والحقيقة ولا في الحكم.

ولهذا عقد الإمام -رحمه الله- هذا الباب، لبيان شيء من أنواع السحر؛ لأن من أنواع السحر ما هو شرك أكبر بالله- جل وعلا-، وهو المراد إذا أطلق السحر، وهذه هي الحقيقة العرفية، ومنه ما ليس شركا أكبر.

وفي ألفاظ الشرع أمور يكون المرجع فيها إلى الحقيقة اللغوية، وأمور يكون المرجع فيها إلى الحقيقة العرفية، وأمور يكون المرجع فيها إلى الحقيقة الشرعية. ومن ذلك هذا الباب، فإن فيه ما يطلق عليه- لغة- أنه سحر، وفيه ما يطلق عليه- عرفا- أنه سحر، وما يطلق عليه شرعا- أنه سحر.

والتفريق بين هذه الأنواع مهم؛ ولهذا ذكر الإمام هذا الباب حتى تفرق بين نوع وآخر، فالحد الذي فيه " حد الساحر ضربه بالسيف " لا ينطبق على كل هذه الأنواع التي ستذكر؛ لأنها سحر لغة وليست بسحر شرعا.

<<  <   >  >>