قوله في الحديث الأول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العيافة، والطرق، والطيرة من الجبت» .
العيافة: مأخوذة من عياف الشيء، وهو تركه، عاف الشيء يعافه، إذا تركه، فلم تبغه نفسه، وهي كما فسرها عوف: زجر الطير- وهذا أحد تفسيرات العيافة- وزجر الطير: أن يحرك طيرا حتى ينظر إلى أين تتحرك، ثم يفهم من ذلك الزجر أن هذا الأمر الذي سيقدم عليه أمر محمود أو أمر مذموم، أو يطلع بحقيقة زجر الطير على مستقبل الحال، فهذا نوع من الجبت، وهو السحر؛ لأن من معاني (الجبت) - كما تقدم- الشيء المرذول المطرح الذي يصرف الواحد عن الحق. والسحر: شيء خفي يؤثر في النفوس، والعيافة من التأثر بالطير وبزجرها وبانتقالها من هنا إلى هنا أو بحركتها شيء خفي دخل في النفس فأثر فيها من جهة الإقدام أو الكف، فكانت نوعا من السحر لأجل ذلك، وهي- أيضا- جبت؛ لأنها شيء مرذول أدى إلى الإقبال أو الامتناع. والطيرة أعم من العيافة؛ لأن العيافة- على تفسير عوف وهو أحد تفسيراتها- متعلقة بالطير وحده، وأما الطيرة فهي: اسم عام لما فيه تشاؤم أو تفاؤل بشيء من الأشياء، وسيأتي باب مستقل لذكر أحكام الطيرة، وصورتها، وما يقي منها، - إن شاء الله تعالى-.
وحقيقة الطيرة: أنه يرى شيئا من الطير، تحرك يمينا أو يسارا، فإن رآه تحرك يمينا، تفاءل به، واعتقد أنه سينجح في هذا العمل أو في هذا السفر، وإن رآه تحرك شمالا قال: هذا معناه أني سأتضرر في هذا السفر، أو سيصيبني