والبصر مشتركة بين أكثر المخلوقات الحية، فجل المخلوقات الحية التي حياتها بالروح والنفس لا بالنماء فإن السمع والبصر موجود فيها جميعا، فالإنسان له سمع وبصر وسائر أصناف الحيوانات لها سمع وبصر، فالذباب له سمع وبصر يناسبه، والبعير له سمع وبصر يناسبه، وكذلك الطيور، والأسماك، والدواب الصغيرة، والحشرات كل له سمع وبصر يناسبه.
ومن المتقرر عند كل عاقل أن سمع هذه الحيوانات ليس متماثلا، وأن بصرها ليس متماثلا وأن سمع الحيوان ليس مماثلا لسمع الإنسان، فسمع الإنسان ربما كان أبلغ وأعظم من سمع كثير من الحيوانات وكذلك البصر، فإذا كان كذلك كان اشتراك المخلوقات التي لها سمع وبصر في السمع والبصر اشتراكا في أصل المعنى، ولكل سمع وبصر بما قدر له وما يناسب ذاته، فإذا كان كذلك ولم يكن وجود السمع والبصر في الحيوان وفي الإنسان مقتضيا لتشبيه الحيوان بالإنسان، فكذلك إثبات السمع والبصر للملك الحي القيوم ليس على وجه المماثلة للسمع والبصر في الإنسان أو في المخلوقات، فلله - جل وعلا - سمع وبصر يليق به، كما أن للمخلوق سمعا وبصرا يليق بذاته الحقيرة الوضيعة، فسمع الله كامل مطلق من جميع الوجوه لا يعتريه نقص وبصره كذلك.
واسم الله (السميع) هو الذي استغرق كل الكمال في صفة السمع، وكذلك اسم الله (البصير) هو الذي استغرق كل الكمال في صفة البصر، فدل ذلك على أن النفي مقدم على الإثبات، وأن النفي يكون مجملا والإثبات يكون مفصلا، فالواجب على العباد أن يعلموا أن الله - جل