بالشرع لجاز إطلاق الحكم على من يحكم بين المتخاصمين بالشرع، أما إطلاقه على الفاصل بين المتخاصمين بغير الشريعة فإن هذا مخالف للأدب.
فالواجب ألا يسمى أحد بالحكم أو الحاكم أو نحو ذلك إلا إذا كان منفذا لأحكام الله- جل جلاله-؛ لهذا قال سبحانه:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}[النساء: ٣٥][النساء: ٣٥] ، فسمى المبعوث من هذا وهذا حكما لأنهما يحكمان بالشرع، فالذي يحكم بما حكم به الله الذي هو الحكم يقال له: حكم لأنه حكم يحكم من له الحكم وهو الله- جل جلاله- فيسوغ إطلاق ذلك ولا بأس به؛ لأن الله- جل وعلا- وصف من يحكمون بشرعه بأنهم حكام وهم القضاة، فقال- جل وعلا- في سورة البقرة:{وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: ١٨٨][البقرة: ١٨٨] فقوله: {الْحُكَّامِ}[البقرة: ١٨٨] هو جمع الحاكم، وساغ إطلاق ذلك عليه؛ لأنه يحكم بالشرع.
والمقصود أن من الأدب ألا يسمى أحد بشيء يختص الله- جل وعلا- به ولذلك أورد المؤلف هذا الباب إثر الباب الذي قبله، لأجل هذه المناسبة، فتسمية " ملك الأملاك " مشابهة لتكنيه " أبي الحكم " من جهة أن في كل منهما اشتراكا في التسمية، لكن فيها اختلاف من جهة أن " أبا الحكم " راجع إلى شيء يفعله هو، وهو أنه يحكم فيرضون بحكمه وذاك " ملك الأملاك " ادعاء ليس له شيء؛ ولهذا كان أخنع اسم عند الله جل جلاله.
هذا " باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول ".
التوحيد الخالص في القلب، بل أصل التوحيد لا يجامع الاستهزاء بالله- جل وعلا- وبرسوله وبالقرآن لأن الاستهزاء معارضة، والتوحيد موافقة ولهذا قال بعض أهل العلم: الكفار نوعان: معرضون كمن قال الله فيهم: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}[الأنبياء: ٢٤][الأنبياء: ٢٤] ، ومعارضون، وهم المجادلون، أو الذين يعارضون بأنواع المعارضات لأجل إطفاء نور الله، ومن ذلك الاستهزاء ونحوه.
فالتوحيد استسلام وانقياد وقبول وتعظيم، والهزء والاستهزاء بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول معارضة لأنه مناف للتعظيم، ولهذا كان كفرا أكبر بالله- جل وعلا-، إذ لا يصدر الاستهزاء بالله، أو برسوله صلى الله عليه وسلم، أو بالقرآن، من قلب موحد أصلا، بل لا بد أن يكون إما منافقا، أو كافرا مشركا.