للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

وعلا- أن لا تدعو الله بها إلا في الأمور الجليلة، فلا تسأل الله- جل وعلا- بوجهه أو باسمه الأعظم أو نحو ذلك في أمور حقيرة وضيعة لا تناسب تعظيم ذلك الاسم.

" عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يسأل بوجه الله إلا الجنة» رواه أبو داود ودلالة الحديث على ما بوب له الإمام المصنف - رحمه الله تعالى- ظاهرة جلية، وقد قال العلماء هنا: إن وجه الله- جل جلاله- يسأل به الجنة، ولا يجوز أن يسأل به غيرها إلا ما كان وسيلة إلى الجنة، أو كان من الأمور العظيمة التي هي من جنس السؤال بالجنة، أو من لوازم السؤال بالجنة كالنجاة من النار، وكالتثبيت عند السؤال، ونحو ذلك.

فالأمر المطلوب الجنة أو ما قرب إليها من قول أو عمل، والنجاة من النار أو ما قرب إليها من قول وعمل، فهذا يجوز أن تسأل الله- جل وعلا- إياه متوسلا بوجهه العظيم سبحانه وتعالى.

وأما غير الوجه من الصفات أو من الأسماء فالأدب أن لا يسأل به إلا المطالب العظيمة، أما المطالب الوضيعة أو غيرها مما ليس بعظيم، فلا يتوسل إليها بصفات الله الجليلة العظيمة، بل يقال: اللهم أعطني كذا، اللهم أسألك كذا، والله أعلم.

قلب الموحد المؤمن، لا يكون محققا مكملا للتوحيد حتى يعلم أن كل شيء بقضاء الله- جل وعلا- وبقدره، وأن ما فعله سببا من الأسباب والله- جل وعلا- ماض قدره في خلقه، وأنه مهما فعل فإنه لن يحجز قدر الله- جل وعلا-، فإذا كان كذلك كان القلب معظما لله- جل وعلا- في تصرفه في ملكوته، وكان القلب لا يخالطه تمني أن يكون شيء فات على غير ما كان، وأنه لو فعل كذا لتغير ذلك السابق، بل الواجب أن يعلم أن قضاء الله نافذ، وأن قدره ماض، وأن ما سبق من الفعل قد قدره الله- جل وعلا- وقدر نتائجه، فالعبد لا يمكنه أن يرجع إلى الماضي فيغير. وإذا استعمل لفظ (لو) أو لفظ (ليت) وما أشبهها من الألفاظ التي تدل على الندم، وعلى التحسر على ما فات، فإن ذلك يضعف القلب، ويجعله متعلقا بالأسباب، منصرفا عن الإيقان بتصريف الله- جل وعلا- في ملكوته، وكمال التوحيد إنما يكون بعدم الالتفات إلى الماضي فإن الماضي الذي حصل إما أن يكون مصيبة أصيب بها العبد فلا يجوز له أن يقول: لو فعلت كذا لما حصل كذا، بل الواجب عليه أن يصبر على المصيبة، وأن يرضى بفعل الله- جل وعلا- ويستحب له الرضى بالمصيبة.

وإذا كان ما أصابه في الماضي معصية فإن عليه أن يسارع في التوبة والإنابة وأن لا يقول: لو كان كذا لم يكن كذا بل يجب عليه أن يسارع في التوبة والإنابة حتى يمحو أثر المعصية.

فتبين أن ما مضى من المقدر للعبد معه حالان: إما أن يكون ذلك الذي مضى مصايب، فحالها كما ذكرنا، وإما أن يكون معايب ومعاصي فالواجب

<<  <   >  >>