للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

يتعلم، آثار ذلك في ملكوت الله، حتى لا يقوم بقلبه إلا أن الله جل جلاله - هو الحق، وأن فعله حق، حتى ولو كان في أعظم خطب، ولو أصيب بأكبر مصيبة، أو أهين بأعظم إهانة، فإنه يعتقد أن فيما أصابه حكمة، لتمام ملك الله - جل وعلا - وحكمته، وأنه يتصرف في خلقه كيف يشاء، وأن العباد مهما بلغوا فإنهم يظلمون أنفسهم، والله - جل وعلا - يستحق الإجلال والتعظيم، فخلص قلبك - أيها المسلم، وخاصة طالب العلم - من كل ظن سوء بالله - جل وعلا -، فلا تظنن في أمر قدر الله وجوده أن غيره أفضل منه، وأن عدم حصوله أصلح، ولا في أمر قدر الله عدم كونه أن وجوده أولى، فإن كل ذلك سوء ظن بالله - جل وعلا -؛ ولهذا قال العلماء في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم: «إياكم والحسد، فإنه يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب» (١) سبب ذلك أن الحاسد ظن أن من أعطاه الله - جل وعلا - هذه النعمة فإنه لا يستحقها، فحسده وتمنى زوالها عنه، فصار في ظن سوء بالله - جل وعلا - ولهذا أكل ظنه حسناته، كما أكلت النار الحطب، نسأل الله - جل وعلا - السلامة والعافية من أن نظن بالله - جل وعلا - غير الحق، ونسأله أن يجعلنا من المعظمين له، ومن المجلين لأمره ونهيه، المعظمين لحكمته سبحانه وتعالى.

هذا " باب ما جاء في منكري القدر ". ومناسبة هذا الباب للذي قبله: أن إنكار القدر سوء ظن بالله - جل وعلا - ويكون هذا الباب كالتفصيل لما اشتمل عليه الباب الذي قبله.

ومناسبته لكتاب التوحيد ظاهرة: وهي أن الإيمان بالقدر واجب، ولا يتم توحيد العبد حتى يؤمن بالقدر، وإنكار القدر كفر بالله - جل وعلا - ينافي أصل التوحيد، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: القدر نظام التوحيد، فمن كذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده. يعني: أن الإيمان بالقدر هو النظام، أي: السلك الذي تجتمع وتنظم فيه مسائل التوحيد حتى يقوم عقدها في القلب، فمن كذب بالقدر يكون قد قطع السلك، فنقض ذلك التكذيب أمور التوحيد، وهذا ظاهر؛ فإن أصل الإيمان أن يؤمن بالأركان الستة التي منها الإيمان بالقدر، كما ذكر ذلك الشيخ في حديث ابن عمر.

والقدر في اللغة: هو التقدير كما هو معروف، وهو وضع الشيء على نحو ما بما يريده واضعه، يقال: قدر الشيء تقديرا، وقدره قدرا وقدرا، وفي العقيدة عرفه بعض أهل العلم بقوله: إن القدر هو علم الله السابق بالأشياء، وكتابته لها في اللوح المحفوظ، وعموم مشيئته - جل وعلا - وخلقه للأعيان والصفات القائمة بها، وهذا التعريف صحيح؛ لأنه يشمل مراتب القدر الأربع. وهذه المراتب على درجتين: الدرجة الأولى: ما يسبق وقوع المقدر، وذلك مرتبتان: الأولى: الإيمان بالعلم السابق، والثانية: الإيمان بكتابة الله - جل وعلا - لعموم الأشياء، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله قدر مقادير الخلق قبل


(١) أخرجه أبو داود (٤٩٠٣) .

<<  <   >  >>