الاعتماد على ما نص السابقون من التصحيح والتحسين يلزم منه تصحيح ما ليس بصحيح، لأن كثيرا من الأحاديث التي صححها المتقدمون اطلع غيرهم من الأئمة فيها على علل تحطها عن رتبة الصحيح، ولا سيما من كان لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن كابن خزيمة وابن حيان، وللحاذق الناقد بعدهما الترجيح بين كلاميهما بميزان العدل، والعمل بما يقتضيه الإنصاف، ويعود الحال إلى النظر والتفتيش الذي يحاول المصنف سد بابه.
" وكلامه ـ يعني ابن الصلاح ـ يقتضي الحكم بصحة ما نقل من الأئمة المتقدمين فيما حكموا بصحته في كتبهم المتعمدة المشهورة، والطريق التي وصل بها إلينا كلامهم على الحديث بالصحة أو غيرها، هي الطريق ذاتها التي وصلت بها إلينا أحاديثهم، فإن أفاد الإسناد صحة المقالة عنهم، فليفد أيضا الصحة بأنهم حدثوا بذلك الحديث، ويبقى النظر منصبا على الرجال الذين فوقهم، وأكثرهم رجال الصحيح"(١) .
ثم رد الحافظ ابن حجر استدلال ابن الصلاح على دعواه فقال: " ما استدل به على تعذر التصحيح في هذه الأعصار المتأخرة بما ذكره من كون الأسانيد ما منها إلا وفيه من لم يبلغ درجة الضبط والحفظ والإتقان، ليس بدليل ينهض لصحة ما ادعاه من التعذر، لأن الكتاب المشهور الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه كسنن النسائي مثلا، لا يحتاج
(١) النكت على كتاب ابن الصلاح ١/ ٢٧٠ـ٢٧١ (بتصريف) .