للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: ١١٦]. وعلى ذلك يدُّل السياق في الآيتين، فإنهما في صدد إقامة الحجة على المشركين في قولهم: إن الملائكة بنات الله، وإنهن يشفعن عنده ويستحقِقْنَ العبادة. فإن هذا من الخرص الذي ينبني على خاطر تخيلي.

كمن يرى إنسانًا لم يره قبل ذلك، فيقع في نفسه أنه يريد به شرًّا، فإذا تدبَّر في سبب هذا الظن وجد أن قد كان ناله شرٌّ قبل مدة من إنسان يُشبِهه هذا في الصورة بعضَ الشبه، وإذا رجع إلى عقله علم أن مثل ذلك الشبه الصوري لا يلزم منه ما ظنه، وقد قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: ١٢].

ومنها: أن الظن هنا المراد به الظن المعارض لما هو أرجح منه، فإنَّ ظن المشركين الذي نعاه الله تعالى عليهم في الآيتين معارض للقواطع.

ومنها: أن المراد به الظن فيما لا يكفي فيه إلا القطع، كما في ظن المشركين المنْعِيِّ عليهم في الآيتين، فإنه في العقائد.

وقد يُنظر في هذه الأجوبة بأنها تقتضي تخصيصَ الظن ببعض صوره لخصوص السبب، والمقرر في الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

ويجاب عن هذا بأن هذا من التخصيص بالسياق لا بالسبب، وعلى كلٍّ فدلالة العام ظنية، ولاسيما في مثل هذا. فيقال للمخالف: دلالة الآيتين على خصوص خبر الواحد ظنية، فالآيتان بعمومهما تقتضيان بطلانَ هذه الدلالة.

<<  <   >  >>