للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن هؤلاء: كتّاب الإفرنج في العصور المتأخرة وأذنابهم.

وشبهتهم: أن المسلمين فشتْ فيهم من القرن الأول الأهواءُ السياسية، والحزبية، والمذهبية، والقومية، والوطنية، وغيرها. واستخدم كلٌّ منهم الأحاديث في ما يوافق هواه ويخالف خصمه، [ص ٥] وكان فيهم من يضع الأحاديث احتسابًا، ومن يضعها لنصرة الحق في زعمه، ومن يضعها لترغيب العامة، دَعْ وضع الزنادقة المتظاهرين بالإسلام والزهد والتقوى، الساعين سرًّا في هدم الإسلام وتشويهه.

والجواب عن هذه الشبهة: أنها بمنزلة من يقول: إن الناس قد أكثروا من صنع ما يُشبِه المسك والعنبر، وتفننوا في ذلك كثيرًا، فلم يبقَ وثوقٌ بوجود مسك وعنبر حقيقي، وكذلك السمن والعسل، وكذلك الذهب والجواهر الثمينة. ولو خالط أهل الخبرة، وأطال مِن صحبتهم، لعلم أن عندهم من العلم والمعرفة والخبرة الفنية ما يميِّزون به بين الحقيقي من تلك الأشياء وبين غيره.

ومن أدوى الأدواء في كتّاب الإفرنج أنهم يقيسون أئمة المسلمين على أنفسهم، فكما يعلمون من أنفسهم أنهم لا يُحجِمون عن الكذب والافتراء إذا كان وسيلةً إلى تحصيل أغراضهم؛ يظنون أن أئمة المسلمين كذلك.

ولم يعلموا أن في المسلمين الآن رجالًا ــ رغمًا عن بُعدِهم من العهد النبوي، وتقصيرهم في الواجبات، وركوبهم لكثير من المحرمات ــ لأن يُلقَى أحدهم هو وولده وأهله وقبيلته في النار أحبُّ إليه من أن يكذِب على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

ومن ذاق طعم الإيمان، ومارس كتب الحديث والرجال، علم يقينًا أن في رجال الحديث عددًا لا يُحصى كانوا أحرصَ على الصدق منهم على الحياة،

<<  <   >  >>