للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

) ومنها (ما جرى في أمر نور الفجر. فأنى ذكرت له لا زال شيخ العصر. إن الفخر الرازي ادعى في تفسيره عند الكلام على قوله تعالى) فالق الإصباح (أن نور الفجر ليس من ضياء الشمس وإنما هو نور يخلقه الله تعالى ابتداءً وأنه رد ما قاله أهل الهيئة من أنه من ضيائها حين تقرب من الأفق الشرقي نحو سبع عشرة أو ثماني عشرة درجة) بما حاصله (على ما يخطر لي أنه لو كان ذلك من ضياء الشمس لزم أن يظهر بعيد نصف الليل لكل الناس وليس فليس) وبيان ذلك (أن كرة الأرض في كل وقت مستضيئ من الشمس أكثر من نصفها على ما اقتضاه برهانهم فيما إذا استضاءت كرة صغيرة من كرة كبيرة. وإن دائرة أفق كل قوم يجوز أن تكون دائرة نصف النهار لآخرين فمتى زالت الشمس عن دائرة نصف نهار قوم من جهة سمت القدم ويكون ذلك بعيد نصف ليلهم لزم بمقتضى ما قالوا من لزوم استضاءة النصف وأكثر أن يظهر الضوء من جهة الشرق ولا أقل من أن يستضيء من الأرض في تلك الجهة ما يتم به مع ما تحت الأفق النصف منها وحيث لم يكن كذلك علمنا أن الأمر في الفجر ليس على ما زعموه. فاستغرب ذلك سلمه الله تعالى جداً حيث أن كون نور الفجر من ضياء الشمس أظهر من الشمس في رابعة النهار وإنكار ذلك كإنكارها. فأحضر التفسير الكبير. فأخرجت البحث وقرأته في مجلسه الخطير. وقبل أن يتجلى نور فجره. عرضت عمائم الغوائل فطوينا البحث على غره.) وأنا أقول الآن (ليرتاح من يرتاح. مستعيناً بالله عز وجل فالق الإصباح. أنه لا يلزم من وجوب استضاءة نصف الأرض وزوال الشمس عن دائرة نصف نهار قوم. من جهة سمت القدم رؤية أولئك القوم ضوء الشمس. لأنهم لا يرون نصف الأرض وكذا لا يرون نصف ما غشاهم وخيم عليهم من ظلمة ظل الأرض وطي المنتهى إلى فلك الزهرة وإنما يرونه لو كانوا عند نقطة مركز حجم الأرض. على أنه لو فرض رؤيتهم نصف الأرض وهم على سطحها لا يلزم رؤيتهم الضوء أيضاً بناءاً على ما قيل أن كثافة الهواء المظلم في البين مانعة عنها فالضوء الذي يظهر بمقتضى ما قرره بعيد نصف الليل إنما يرى في بلد يزيد طوله على طول بلد أولئك القوم بكثير. وهذا مما لا دليل على نفيه. بل لا يبعد أن يكون واقعاً لاختلاف أوقات الفجر في البلدان حسب اختلاف الأطوال والأوضاع. ففجر البلد الشرقي. قبل فجر البلد الغربي كما أن مغرب البلد الغربي بعد مغرب البلد الشرقي. ومثل اختلاف الفجر والمغرب اختلاف الزوال ونحوه. والكل ظاهر ظهور اختلاف عدد ساعات النهار الأطول وعدد ساعات الليل الأطول في البلدان. ولحلول الشمس في البروج الشمالية والبروج الجنوبية مدخل في بعض الاختلافات. وإنكار اختلاف المطالع أظهر مكابرة من إنكار اختلاف الأصابع. وفي الحديث أن الشمس لتغرب عن قوم وتطلع على آخرين) نعم (اختلف في اعتبار ذلك الاختلاف شرعاً في نحو الصوم فذهب كثير من الحنفية مع إقرارهم بوجوده إلى عدم اعتباره. فيلزم عندهم أهل المغرب الصوم برؤية أهل المشرق هلال شهر رمضان. والحق اعتباره) والحاصل (أنه إن أراد أنه يلزم حسب ما ذكره أهل الهيئة على تقدير كون الفجر من الشمس طلوع الفجر بعيد نصف الليل في كل بلد بحيث يراه أهله فهو ممنوع. وإنما يلزم ذلك لو كان كل بلد بحيث يرى فيه نصف كرة الأرض والحال ليس كذلك. وإن أراد أنه يلزم طلوع الفجر في كل بلدٍ بعيد نصف الليل في بلد آخر فسيكون وقت واحد فجراً لقوم ونصف ليل لآخرين فهو مسلم ولا محذور في هذا اللازم بل لا يبعد أن يكون واقعاً. وقد صح أن في بعض العروض ما قوس ليله في بعض الأوقات أقل من ثلاث أو ست وثلاثين درجة. فهنالك يطلع الفجر قبل أن يغيب الشفق ولا شك أن وقت طلوع الفجر هناك ليل في أكثر المعمورة وأغرب من هذا حال عرض تسعين حيث تتحد دائرة المعدل مع دائرة الأفق فتكون هي الأفق فإن السنة هناك نصفها ليل ونصفها نهار إذ لا طلوع ولا غروب للشمس في ذلك العرض إلا بحركتها الخاصة) ومن هنا (يقال للرازي كما لا يلزم من طلوع الشمس. وجود النهار في موضع طلوعها ووجوده في كل موضع كذلك لا يلزم من طلوع الفجر في موضع طلوعه في كل موضع فمتى كانت الشمس طالعة ومرئية في بعض المواضع وهي غير طالعة ومرئية في بعض آخر. فليكن أثرها وهو الفجر كذلك. ولكون هذا في عرض تسعين ظاهراً جداً بنينا الأمر عليه فلا تغفل. واعجب من إنكار الرازي كون نور الفجر من ضياء

<<  <   >  >>