أيدها وأبدها رب البرية، واتفق أن تم تأليف روح المعاني، فقلت نعمت الوسيلة هذه الأسفار للسفر إلى تلك المغاني، وصادف خروج خلف نجيب باشا حضرة عبد الكريم باشا الملقب بالنادر وبعبدي، ومعه من أحبابي مصطفى بك الربعي وسليمان بك أفندي، وذلك إلى آمد السوداء، حيث وجهت له إيالتها بدلاً عن إيالة الزوراء، فقلت لنفسي هذا الوزير نعم الرفيق وحبذاه صاحباً في ذلك الطريق، حيث أني من مخلصيه، الموالين لمن يواليه، والمعادين لمن يعاديه) فاستخرت (الله تعالى حسب المأثور ودعوته تعالى شأنه بالدعاء المشهور، ثم تفاءلت بكتاب رب العالمين مقلداً من قال لا بأس بذلك من العالمين، فنادتني غواني كواعب الآي من الخدور، وتلت علي) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور (، واعلم أن الاستخارة مما درج عليه السلف، واتبع أثرهم فيه الخلف، والكلام عليها في فصول فاستمع هديت لما نقول.
[الفصل الأول]
[في الأمور التي هي محل الاستخارة]
اعلم أن من شأنه أن يراد ينقسم أولاً إلى ثلاثة أقسام: الأول ما يعلم كونه خيراً كالواجب المضيق، الثاني ما يعلم كونه شراً قطعاً كالمجرم المجمع على تحريمه، الثالث ما لا يعلم على القطع خيريته ولا شريته في وقت مخصوص كالواجب الموسع والمندوب كذلك والمندوب المضيق الذي يعارضه مندوب آخر في ذلك الوقت من غير ظهور رجحان لأحدهما والمباحات كلها. ولما كان معناها طلب خير الأمرين من الفعل في وقت معين أو تركه فيه لم يكن الأولان محلين لها إذ أولهما خير قطعاً فلا رخصة في تركه وثانيهما شر قطعاً فلا رخصة في فعله فليس محلاً لها، إلا الثالث فما يوهم العموم في بعض الأخبار وستطلع إن شاء الله تعالى عليه كالأمر في خبر جابر الآتي عام مخصص أو أن آل فيه للعهد فلا تغفل.