) ومنهم بدر العوارف الذي هو بأودية الكمال كل آونة مرتدي. حضرة ناظر مكاتب المعارف العمومية أخي وحبيبي كمال أفندي (. وهو كهل فاق الكهول. حيث جمع ما راق من ظرائف المنقول والمعقول. وقد غدا في هاتيك المغاني. من حيث معرفة اللغات آدم الثاني. وذهب كغيره إلى أوربا ثم عاد. ولم تكن قد فصمت أيدي الشبه منه عقود الاعتقاد. وأرسل مرة إلى العجم سفيراً. حيث كان بأمور الدولة ورسومها خبيراً. فظهر من معجز عقله ما شق من عقلهم إيوانه. ودر من وابل فضله ما أحمد من فضلهم نيرانه. ولما أراد العود توجه إلى بغداد. فدخلها أيام وزارة واليها النجيب أبي الأمجاد. فقبل أن أذهب لزيارته جاء لزيارتي راجلاً. ففاوضته الحديث فرأيته رجلاً غدا به الكمال كاملاً. وأخبرني أن سبب مجيئه إلي سعياً على القدم. سماعه الإغراق في الثناء علي من علماء العجم. وأنه لما سمع ذلك الثناء. في هاتيك الأطراف. نفث في روعه ملك الإنصاف. إن الفضل ما شهدت به الأعداء. وذكر لي أنهم قالوا له لو لم يكن ناطور السنة في العراق الشهاب. لطال بعلمائه من أسنة السنة أبحاثنا وحرمة الكتاب الأكتاب. ومن هنا ذباب الافتراء. وصفع رقاب المدلسين بنعال الهوان. وألقم كلاب المدسسين فأغصهم بحجر الامتهان.) ولعمري (لقد رأيت من نجابته معي في إسلامبول. ما هو فوق الحد وطور ما وراء طور العقول. ولا يستبعد من الكمال. كمال النجابة والأفضال. فجزاه الله تعالى عني من رائق فضله ورحيقه. أفضل ما جزي به صاحباً عن صاحبه وصديقاً عن صديقه. ولقد رأيته يتبع لجمع الكتب المدارس والجوامع. وقد جاوزوا شغفه بها الحد إلا أنه كحد جامع غير مانع. فتراه يعير منها ما لا يعار. وربما يخبل به الفلك الدوار. وقد أطلعني في جوف داره على مكتبة له. اشحنها التوفيق كتبا جمعت الحسن كله. فلو رأتها كتب الصاحب ابن عباد لذابت في جلودها. أو للطمت بأكف الغيرة منها على صفحات خدودها. فكأنها كتب شيخ الإسلام. التي أوقفتها وسيرها إلى مدينة النبي عليه الصلوة والسلام. وقيل لي كيف كتبك بالنسبة إلى هذه الكتب النفيسة. فأنشدت وحاشاني ولله تعالى الحمد من نفس حسودة خسيسة.
هي كتبي فليس تصلح من بع ... دي لغير العطار والإسكاف
هي أما مزاود للعقاقي ... ر وأما بطائن للخفاف
والتمس مني يوماً على ما بي من الكآبة. أن أكتب له عدة أسطر تتضمن مدح صنعه الكتابة. وغرضه أن يمتحن أطفال المكاتب. بما هو لحالي حالهم مناسب. ويكون فيه ترغيب لهم بتلك الصنعة وأحكامها. والاستغناء عن بيض السيوف وزرق الأسنة بسمر أقلامها. فأجبته إلى ما أمله. وأمليت له رسالتين مختصرة ومطولة. أما المختصرة فهذه:
[بسم الله الرحمن الرحيم]
حمداً لمن أمر القلم. فرقم في اللوح المحفوظ ما رقم. وصلوةً وسلاماً على نبيه الذي لا تتسع قراطيس الأدوار لتحرير كمالاته. وتجف محابر البحار دون تسطير ما انطوى في كلماته. وعلى آله وأصحابه الذين مجت أقلام ألسنتهم. ما أنسى عداهم رشح نصال أسنتهم من العُلقم. فغدوا يعدون هرباً من أفاعي الحمام. ويعدون كل فم من هاتيك الأفمام دار الأرقم.) وبعد (فلا يخفى أن الإنسان مدني طبعاً. محتاج إلى بيان مقاصده وضعاً ورفعاً. وقد جعل الله تعالى اللسان. آلة تتكفل بالإيصال إلى ذلك البيان. فمتى أراد ذلك أخرج بدلاء أنفاسه من قليب القلب. وأجرى في حياض السامع من صافيه وكدره ما حب. إلا أنه لما كان قد لا يتسنى له سقي رياض أسماع النائين. ولا يتيسر له سوق مياه الإفادة إلى حياض إفهام الآتين بعد حين. جعل سبحانه له الكتابة عوناً. وجلا جل جلاله بها عن عين الإفادة غنياً. فيفيد بها المرء المرام. القريب والبعيد ومن يأتي من بعده بأعوام. ولذا امتن الله تعالى بها. وقال تبارك اسمه منها) اقرا وربك الأكرم الذي علم بالقلم (. والكتابة والبيان. في النفع فرسا رهان. وقد شاع في البين. أن القلم أحد اللسانين. فليملأ الكاتب صحيفته من شكر مولاه. وليغرد قلم لسانه وكذ اللسان قلمه بحمد باريه على جزيل ما أولاه. وليجهد من حرم لسوء الحظ. في طلب حسن الخط. وليسأل الله تعالى التوفيق فما خاب وحرمة اللوح والقلم موفق قط. وأما المطولة فهذه: بسم الله الرحمن الرحيم