للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما الصوفي فهو العالم بما لابد في أعمال الطاعة منه، المقبل على الله بوجهه كله المتجرد عن نفسه القائم في شيء بإرادة ربه، سمعت شيخنا الإمام قطب الوقت شهاب الدين أبا عبد الله عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد السهروردي رضي الله عنه يقول: من عمل ولم يعلم كان كمن يبذر في السباخ، ومن علم لم يعمل كان علمه ضائعا، وأما الفقير فهو المقبل على الله تعالى بوجهه المتمكن من تربية ظاهرة وباطنة بصريح العلم الذي لا تفاوت في معاملته بين خلوته وجلوته، المتطلع بترك المال والجاه إلى ما تحقق عند الله من العوض في المئال، قال فارس رضي الله عنه: قلت لبعض الفقراء رضي الله عنه ورأيت عليه أثر الجوع ألا تسأل قال: أخاف أن أرد فلا يفلح الراد، وقال محمد بن ياسين: سألت ابن الجلاب رضي الله عنهما عن الفقر فذهب ثم رجع فقال: كانت عندي أربعة دوانق فاستحييت من الله أن أتكلم في الفقر وهي عندي فذهبت حتى أخرجتها، ثم تكلم، وهذا يظهر الغنى في الفقر، وقال عبد الله بن المبارك رضي الله عنه إظهار الغنى في الفقر أحب إلينا من الفقر، وأن يكون العطاء أحب إلينا من الأخذ.

والإرادة هي القصد إلى طريق السالكين إلى الله تعالى وهو أول منازلهم والمريد هو القاصد إلى تلك الطريق، وأعلم أن الخرقة خرقتان خرقة تبرك وخرقة إرادة، ولخرقة التبرك حقوق، منها لا يمنع طالبها ولا يرد مع صحة القصد خاطبها وأن يلقاها بالقبول، ويرجو ببركتها الوصول إلى أهلية خرقة الإرادة، وأن يجالس إلى أهلية خرقة الإرادة، وان يجالس هذه الطائفة متشبها بهم متزييا بزيهم متأدبا بآدابهم ناظرا إلى سيرهم وأحوالهم، متعرفا بذلك عوارف بركاتهم، ولها شروط منها ما هو شرط في صحة لباسها ومنها ما هو شرط في دوام حكمها، أما الشرط الأول، فهو الأيمان بطريق القوم، قال شيخنا رضي الله عنه الأيمان بطريق الصوفية أصل كبير، وذكر قول الجنيد الأيمان بطريقنا هذه ولاية فقال وجه ذلك هو أن الصوفية تميزوا بأحوال عزيزة وآثار مستعذبة عند أكثر الخلق لأنهم مكاشفون بالقدر وغرائب العلوم، وإشارتهم إلى عظيم أمر الله والقرب منه، و) الأيمان بذلك أيمان بالقدرة، ولهم علوم من هذا القبيل، ومن أهل الملة من أنكر الكرامات فلن يومن بطريقهم إلا من خصه لله بمزيد عنايته، الشرط الثاني سلوك الطريق التي لا تتوجه على سالكها من حاكمي العقل والنقل لوم فإن عصوك فقل أني بريء مما تعلمون فإذا حرك لابسها بحركة تنافي طريق القوم متعمدا لذلك مصرا عليه غير مجيب إلى الرجوع عنه تنزع خرقة المشايخ عنه، ويصان حريم احترامها عنه، فإنها محترمة شريفة مكرمة، لأنها شعائر المقربين، وحلية الأبرار المتقين، قال إبراهيم بن شيبان رضي الله عنه كنا لا نصاحب من يقول نعلي، وقال أبو احمد بن القلانسي رضي الله عنه دخلت على قوم من الفقراء يوما بالبصرة فأكرموني فقلت يوما لبعضهم أين إزاري فسقطت من أعينهم، ودخل الرود باري رضي الله عنه يوما دار بعض أصحابه فوجده غائبا وباب بيته مغلق فقال صوفي وله باب مغلق، فكسر وأنفذ جميع ما وجده فيه إلى السوق، فدخل صاحب المنزل ولم يقل شيئا، ودخلت امرأته رمت بكساء كان عليها وقالت بيعوه فهو من بقية المتاع وقالت مثل هذا الشيخ يباسطنا ويحكم علينا وندخر شيئا عنه، ومن آدابها أن يصلي لابسها عقب إلباسها ركعتي القدوم بالإجماع من سفر الغفلة لى وطن الوصلة، ثم يقبل على تقبيل يد الشيخ على عادة دخول الرياضات في تقديم صلاة القدوم على صلاة التسليم، ومن فوائدها أن ببركتها تلوح للابسها إشراك الفتى فيحذرها ويعلم أن النكير يشتد عليه من كل طائفة فينكرها، وإن بدا منه اضطراب في شيء من ذلك فذلك لأنه:

ضاق بحمل العذار ذرعا ... كالمهر لا يعرف اللجاما

وأنشدني رضي الله عنه لطاهر بن حسن المخزومي:

ليس التصوف أن يلاقيك لفتى ... وعليه من نسج المسوح مرقع

بطرائق بيض سود لفقت ... فكأنه غيها غراب أبقع

أن التصوف ملبس متعارف ... يخشى الفتى فيه الالاه ويخشع

وأنشدني أيضا لغيره:

ليس التصوف لبس الصوف ترقعه ... ولا بكاؤك أن غنى المغنونا

ولا صياح ولا رقص ولا طرب ... ولا تغاش كأن قد صرت مجنونا

بل التصوف أن تصفو بلا كدر ... وتتبع الحق والقرآن والدنيا

<<  <   >  >>