للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أخبرني الفقيه العالم أبو بكر الأذفري قال: أخبرني الفقيه حرب من أهل دمشق قال: شخص من الفقراء لإخوانه أحب اليوم أن نجتمع وأغني لكم قال فاجتمعوا فغنى لهم:

سلي نجوم الدجى يا طلعة القمر ... عن مدمعي كيف يدمي فيك بالسهر

أيه بعيشك ماذا أنت صانعة ... من الجميل فهذا آخر العمر

ثم شهق ومات رحمه الله تعالى، وأخبرني أبو بكر المذكور عن القاضي شمس الدين بن القماح قال: سمعت الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد يذكر في مجلس درسه بجامع ابن طولون أنه حضر سماعا وكان هناك فقير فغنى مغن من أبيات ابن الخياط:

خذا من صبا نجد أمانا لقلبه ... فقد كاد رياها يطير بلبه

وأيا كما ذاك النسيم فإنه ... متى هب كان الموت أيسر خطبه

أغار إذا آنست في الحي أنة ... حذارا وخوفا أن تكون لحبه

وفي الركب مطوي الضلوع على جوى ... متى يدعه داعي الغرام يلبه

قال فقال الفقير لبيك ورفع رأسه فإذا هو ميت.

) ومنهم (مفتي الإسلام، فخر الأنام، الشيخ الإمام فخر الدين أبو العباس احمد بن محمد بن أبي الفضل بن عاصم الذي له الكرامات الظاهرة، والآيات الزاهرة، والمجاهدة الوافرة، والبيت الذي بالصلاح مشهور، وبالرياسة في التقدم على الصوفية مذكور، فهو شيخ الطريقة، ومعدن الحقيقة نشأ مذ كان على الطرائق العلمية الملية وتربى في حجر الحماية بعين الولاية لما سبق له من الرعاية بالعناية الأنعامية، وحباه سبحانه بأن ألهم هممه العلية للاهتمام بالعزلة والفراغ عن الشواغل الدنيوية، ومنحه بصدق المجاهدة ومراتب المراقبة، ومشاهد المشاهدة ما منحه من مواهبه العرفانية، وخصائصه الإحسانية، فلم يزل يتقلب في أطوار العبادة، ويصحب أهل الفضائل ويلازمهم للإفادة والاستفادة، مترقيا إلى أفلاكهم، وفائتا شأو إدراكهم، فحفظ أنواع العلوم الربانية ولحظ أسرار الخطرات الواردة الإلهامية، فظهر عند فنائه في فناء معارجها وبر حين هب عليه نسيم القرب، فتموجت معارف بحارها وبحار معارفها، وأقام يقيم رسوم العلوم الدراسية، بيد أعمال الطاعية، فلاحت في معادن أسراره، ومشارق أنواره، ما شئت من شواهده البرهانية ودلائله الإيمانية، إلى ما حوى من بدائع المواعظ الزهديات وروائع الحكم الأدبيات التي تبرقعت بنور الصباح، وحسن الأوجه الصباح وتخلقت بنشوة الراح، وارتياح الأرواح، فتجلت لها أنوار جلت ظلمات الأفكار الجسمانية، وتبدت لها أسرار محت بقايا الأطوار الروحانية:

فما سريان الراح في روح وامق ... بأنفس منها في نفوس وعاتها

سقانا بها حتى سكرنا مدامة ... فكيف لنا بالصحو من نشواتها

فهاهو واحد زمانه وفريد أوانه، وواسطة نظام العقد الذي تجلى بلؤلؤه ومرجانه، وشاع وذاع فملأ القلوب والأبصار والأسماع، بما راق وراع، من فوائده البيانية، وفرائده التبيانية وعوائده الدنيوية والأخروية، قد صفا من الكدر، وانقطع إلى الله من البشر، واستوى عنده الذهب والمدر، وفاق رجال الأمصار والآفاق من البلاد الإسكندرية والمصرية والشامية، لقيته بمدينة الإسكندرية فقرأت وسمعت عليه كثيرا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في تآليف عديدة منها جميع الجزء المسمى بالمجالس الثلاثة من امالي الحافظ أبي الحسن علي بن الفضل بن علي المقدسي رضي الله عنه بسماعه لجميع الجزء في سنة أربع وثمانين وستمائة على الشيخ شرف الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الخالق القرشي بسماعه لجميعه من مخرجه المقدسي، وقرأت وسمعت عليه غير ذلك من الكتب والأجزاء والأحاديث المسلسلة وغيرها مما قد استوفيته في برنامج روايتي، وأجازني الإجازة التامة المطلقة العامة، وكتب لي بخطه وأخذت عنه في التصوف تآليف عديدة نقلت منها هنا ما نصه:

<<  <   >  >>