للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فنجب وأنجب، ساد وشاد، وجاد وأجاد، وأفاد واستفاد، وأقام المتن والإسناد، وععي وعلم، اجتنى ثمر الحكم واجتلى غرر الكلم، إلى تظرف يواجهك بالوجه الوسيم، وتلطف يحادثك محادثة النسيم، وقد تولته السنة الحمد من القاصد والوارد، وأظلته سماء المجد بجمال المشتري ظرف عطارد، فهو درة العصر، ونخبة فضلاء ذلك المصر لقيته بدكانه من الموثقين من الإسكندرية، فسمعت عليه أجزاء عديدة مفيدة، منها جزء فيه المجلس لخامس في فضل صوم المحرم، تخريج الحافظ أبي المظفر منصور بن سليمان بن منصور الهلداني الشافعي بسماعه بجميعه منه، وجزء فيه مقطعات وأبيات والجزء بجميعه من نظم الإمام العلامة الأديب أبي النصر مظفر بن محاسن بن علي بن نصر الله الذهبي الدمشقي بسماعه عليه وإجازته له، وسمعت عليه غير ذلك وأجازني إجازة تامة مطلقة عامة، وكتب لي بخطه، ومولده سنة ثلاث وستين وستمائة بالإسكندرية وأنشدني لوالده محيي الدين المذكور يرثي بعض الفضلاء رضي الله عنه:

من لمسترشد ببسط البيان ... من لمسترغد ببسط البنان

مات برهان فابكوا وقولوا ... ويح دين خلا من البرهان

عين إنسان دهري كان وتدري ... فقد عين الإنسان للإنسان

و) منهم (الباهر الفصاحة، الطاهر الجناب والساحة الشيخ لفقيه العالم ناصر الدين أبو عبد لله محمد بن الشيخ العالم المصنف المرحوم وجيه الدين أبي بكر بن عبد المنعم ابن علي بن ظافر بن مبادر الشافعي الزبيري من ذرية مولانا الزبير بن العوام رضي الله عنه حبر خير، مقيد مفيد، متقن، متفنن، ناقد نافذ، قد زان العلم بالحلم، والباهة بالنزاهة والذكاء بالزكاء، والرواية بالدراية، فجمع بين العلم والتقييد، واعتلاء الأسانيد إلى دين متين استمسك بعروته الوثقى وزهد جرى منه إلى الأمد الأقصى، وأياد على الأنام لا يجوز أن تكفر، وحسنات حق ذنوب الأيام بها أن تغفر، فاستحق من الثناء ما يستغرق لفظ اللافظ، وارتسم في رتب العلاء بالإمام الحافظ، وأقسم بالرحمن والمثاني والقرآن، انه لفخر الأعيان، وعين إنسان الزمان، وإنسان عين البيان، وأبلغ بني ذبيان، ومن أبي الحسين عند بني حمدان، ونائب ديوان الإنشاء ببغدان، ومع طيب النحيزة وشرف هذه الغريزة، فقد كان له من نفوس الناس محل لفضله، واعتداله وانقباضه عن مظان الاقتحام والتزامه لا جرم أنه حسن الطريقة والسمت، ذو معرفة بموضع الأصابع في النطق والصمت:

إذا ما اجتبى في القوم أو نطق اقتدى ... بحكمته لقمان أو هابه كسرى

لقيته وسمعت منه وقرأت عليه بلفظي جميع كتاب النيسير للحافظ أبي عمرو الداني وحدثني به عن الشيخ الإمام الزاهد العابد شيخ المتصوفين جمال الدين أبي عبد الله محمد بن سليمان بن عبد الملك الحميري الشاطبي المالكي سماعا منه عليه بجميعه في مجالس آخرها سلخ جمادى الأولى سنة سبع وستين وستمائة، وحدثه أنه سمعه بمدينه شاطبة جبرها الله تعالى عن الشيخ المعمر المسند المحدث أبي عبد الله محمد بن سعادة الشاطبي، وسمعه أبو داوود على مصنفة أبي عمرو الداني وحم الله جميعهم، وأجازني الإجازة التامة وكتب لي بخطه في عام واحد وستين وستمائة وله رطوبة أدب وحلاوة شعر أنشدني لنفسه ملغزا وعنى به القرآن العظيم:

شيء عجيب أمره ... النصف منه عشره

عذب لذيذ مشتهى ... سهل يسيل ذكره

لم يستطيع تفسيره ... إلا عظيم قدره

وما زلت أختلف إليه واقرأ عليه إلى أن اتفق منج جملة المقادير والأسباب أن هيأت لتونس قرقورة الأصحاب فعرض على السفر فيها عرض الركماء، وحضني عليه فأنشدته:

ما أنت نوح فتنجبني سفينته ... ولا المسيح أنا أمشي على الماء

ثم رفضت الغربة، وفرضت القربى، والقربة واغتنمت المركب المبارك والصحبة رددت الاستخارة وجددت الاستشارة عزمت على ما عرفت من مكابدة البحور، وركبت أنا وأخي في المركب المذكور فكان ركوبنا بمرسى منار الإسكندرية في عشى عيد الفطر يوم الأربعاء عام ثمانية وثلاثين المذكور وظللنا ليلتنا تلك نقلد ونواسي ونرقع الرقائق والمراسي إلى أن أخذ منا السهر واستبان لنا السحر، وأطلت راية الصباح في أفق الشرق حتى:

كان سواد الليل والصبح طالع ... بقايا مجال الكحل في الأعين الزرق

<<  <   >  >>