للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هو صاحب البلد الذي لسماحه ... بالرفق يبلغ لا بشق الأنفس

لا زال في أوج السعادة لابسا ... من حلة النعماء أشرف ملبس

وأنشدني له تورية في ساقي:

وساق من بني الأتراك طفل ... أتيه به على جمع الرفاق

أملكه قيادي وهو رقى ... وأفديه بعيني وهو ساق

وأنشدني له أيضا:

ما زال كحل النوم في مقلتي ... من قبل أعراضك والبين

حتى سرقت الغمض من ناظري ... يا سارق الكحل من العين

وأنشدني لابن الأثير الجزري:

كأن في فيه نباذا وأللالا ... وبين جنبيه نفاثا ونبالا

منوع الحسن يبدي من محاسنه ... لا عين الناس أصنافا وأشكالا

فلاح بدرا ووافى دمية وذكا ... مسكا وعن طلا وازور رئبالا

وافتر درا وغنى بلبلا وسطا ... عضبا وماج نقى واهتز عسالا

وأنشدني له أيضا:

إن التي ملكتني في الهوى ملكت ... مجامع الحسن حتى لم تدع حسنا

رنت غزالا وباهت روضة وبدت ... بدرا وماجت غديرا وانثنت غصنا

وأنشدني: قال أنشدني قوام الدين العجمي بمصر ما ادعاه لنفسه وهو:

تصاممت إذ نطقت ظبية ... تصيد الأسود بألحاظها

وما بي وقر ولكنني ... أردت إعادة ألفاظها

قال واستحسنها أهل مصر، وعارضها منهم ألف وخمسمائة شاعر وأعجب بالبيتين صاحبنا شافع بن عبد الطاهر كاتب السر للسلطان الملك الناصر فاستحسنهما واستقصر جميع من عارضه فيهما من الشعراء ثم وقع في نفسه انهما لغيره فلم يزل يكشف عنهما حتى وجدهما لابن الرومي في ديوانه الكبير قال فلما وقف عليهما فيه بعثني بذلك إليه فأعلمته، فقال قوام المذكور وهو وأنا معا بالجامع الأعظم من مصر والله الذي لا إله إلا هو ما علمت بهما قط، وأن هذا لمن توارد الخاطر، ووقوع الحفر على الحافر، وذكر أنه دخل بعض الشعراء من المغاربة على صاحب طرابلس الشام وبين يديه مملوك جميل الصورة في نهاية الحسن والجمال فالتفت الشاعر وجعل ينظر حسنه فقال له السيد إن كان قد أعجبك فامدحه بشعر حسن وخذه هدية لك فأنشد فيه قصيدة أولها:

تناقده غضن الصبا سكرا ... فعربد ساجي طرفه نافثا سحرا

غريب معاني الحسن ذابل قده ... يريك قضيب البان قد أثمر البدرا

جرى قلم الريحان يثبت حسنه ... فخط بمسك الخال في خده سطرا

ونادى بلال الخال من فوق خده ... تبارك ممن فرعه أطلع الفجرا

وسبحان من أنشأ بخده جنة ... وأجرى بها ماء وأذكى بها جمرا

وساق إلى فيه من الخمر كوثرا ... مكللة في كأس ياقوتة درا

فلو لم يكن مبعوث حسن لما غدت ... صحائف آيات الجمال به تقرأ

قال فلما أنشد الأبيات، أعجب بها السيد فوهب المملوك له ثم افتداه منه بعد ذلك بوزن المملوك دراهم عشر مرات، قال رضي الله عنه ومن أخبار المتوكل مع ابن الجهم أنه دخل عليه يوما فأنشده شعره الذي يقول فيه:

) هي النفس ما حملتها تتحمل (.

وكان في يد المتوكل جوهرتان فأعطاه التي في يمينه فاطرق يفكر في شعر يأخذ به الأخرى فقال له المتوكل إنما تفكر فيما تأخذ به الأخرى ورمى بها إليه فقال ابن الجهم:

يسر من رأى إمام عدل ... تغرف في جوده البحار

يرجى ويخشى لكل أمر ... كأنه جنة ونار

الملك فيه وفي بنيه ... ما اختلف الليل والنهار

يداه في الجود ضرتان ... كلتاهما في الندا تغار

لن تأت منه اليمين شيئا ... إلا أتت مثله اليسار

قال: قال أبو العتاهية بيتين في أيام الرشيد ورفعهما إلى زبيدة يمدح ابنها محمد وهما:

لله درك يا عقيلة جعفر ... ماذا ولدت من العلا والسؤدد

أن الخلافة قد تبين نورها ... للناظرين على جبين محمد

فأمرت أن يملأ فمه درا، وذكر لي أنه صلب ابن بقية وزير بغداد وكان الخليفة قد وكل به من يحرسه ليلا ونهارا ولم يتجاسر أحد على أن يرثه، وقف الكاتب ابن الأنباري عليه والناس حوله قائمين صفوفا فرثاه بقوله:

علوا في الحياة وفي الممات ... لحق أنت إحدى المعجزات

كأن الناس حولك حين قاموا ... وفود نداك أيام الصلات

كأنك قائم فيهم خطيبا ... وكلهم قيام في الصلاة

<<  <   >  >>