للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وتحتهما من صفا باطنه، كأن كل العالم صديقه، ومن كدر باطنه كان كل من في العالم عدوه، وجرى الحديث بذلك مع الشيخ الإمام العالم المفتي المسلمين عز الدين أبي إسحاق بن حباسة رضي الله عنه بمنزلة من الإسكندرية المحروسة، فقال لي: سافرت إلى الشام مع السلطان قلاوون الصالحي فبينما نحن نسير في فلات من الأرض القفراء وإذا أنا بطلل بال قد لمحته على بعد فحننت إليه وقصدته فلما دنوت منه ألفيت عليه مكتوبا بالمداد ما صه: جبت القفار، ووقفت على الآثار، فما رأيت صديقا صادقا، ولا رفيقا موافقا، فمن قرأ هذا الخط فلا يركن لأحد قط من الأنام والسلام، وحدثني الشيخ الإمام عز الدين المذكور قال أخبرني أخي وصديقي الشيخ الإمام القدوة رئيس الكتاب نور الدين أبو الحسن علي بن الشيخ الإمام الكبير، رئيس الكتاب جمال الدين بن المكرم قال: سافرت مع السلطان الملك الأشرف ابن السلطان قلاوون الصالحي إلى مدينة عكة في غزوته إياها، فأقمنا عليها، إلى أن يسر الله تعالى في فتحها بعد مدة طويلة قال: فلما دخلناها دخلت الكنيسة التي كانت بها فإذا هي ذهب ساطع وإذا أنا بكتب على حائط منها قريب العهد لم يجف مداده فيه ما نصه:

أدمى الكنائس أن تكن عبثت بكم ... أيدي الحوادث أو تغير حال

غلطا لما سجدت لكن شمامس ... ثم النوف جحاجح أبطال

ليكن عزاكن الجميل فإنه ... يوم بيوم والحروب سجال

قال فعلمت قطعا أن كاتبه نصراني وعجبت في ذلك غاية العجب وحدثني الشيخ عز الدين المذكور قال وجد مكتوبا على باب كافور الأخشيدي بمصر:

أنظر إلى عبر الأيام ما صنعت ... أفنت أناسا بها كانوا وما فنيت

ديارهم ضحكت أيام دولتهم ... فإذا خلت منهم ناحتهم وبكت

<<  <   >  >>