للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو دُواد الإيادي (١) ــ وهو جاهلي ــ:

فلما تبدَّتْ لنا سُدْفةٌ ... ولاح من الصبح خيطٌ أنارا

فيتضح له أن هذا هو المعنى الصحيح، وإن احتمل عنده أن يتبين الخيطان من الغَزْل أول دخول النهار، فقد يتوقف، لكن يبعد عنده ذلك [من] وجوه:

الأول: أن الليالي المقمرة يتبين فيها الخيطان من الغزل في أثناء الليل.

الثاني: أن هذا يكون مخالفًا لما تقرر سابقًا في الشرع في ما يعرف به خروج الليل ودخول النهار، وليس هناك ما يدعو إلى هذا؛ لأن ما تقرر سابقًا هو الأيسر والأظهر.

الثالث: أن من سنة الشرع أن ينوط الأحكام بعلامات جلية، كما في أوقات الصلوات، وليس تبيُّن الخيطين من الغزل مما يشبه ذلك. فيحمله ذلك على تطلُّب معنى آخر، فيجده من كَثَبٍ كما مر.

والظاهر أن جمهور الصحابة لم يَخْفَ عليهم الصواب، وإنما وقع في الخطأ أفراد، لعلهم كما قال عياض (٢) وتبعه النووي (٣): ممن قرب عهده بالإسلام، وكأنهم أخذوا آخر الآية من قوله: {وَكُلُوا}، ولم يتأملوا أولها.


(١) «ديوانه» (ص ٣٥٢) و «لسان العرب» (خيط).
(٢) «إكمال المعلم» (٤/ ٢٥).
(٣) «شرح صحيح مسلم» (٧/ ٢٠١).

<<  <   >  >>