وقيل إنه شداد بن قطن الماطاط بن عمرو بن ذي هرم بن الهوار وبعده أخوه لقمان. ثم إخوته ذو شدد ويطوذ ومراثل. وبعضهم يقول ذو وائل وبعضهم يقول ذو مداثر، وهو الحارث جد الملوك التبابعة. واستقر الملك في بنيه من بعده، وسمي الرائش؛ لأنه قسم أرض اليمن سهلها وجبلها وأوديتها بين عشائره وأعانهم على عمارتها، وأخرج لهم المشغلات؛ فنعم الناس والعشائر، واستغنى بعضهم عن بعض وعن كثير مما كانوا محتاجين إليه مما في يده؛ فلهذا سموه الرائش واسمه الحارث، وهو أول ملك اخترع الدروع لأصحابه وألبسهم إياها، وذكر ابن سعيد عن مؤرخي الشرق ونقله أن الحارث الرائش الذي ملك بعده ابنه الصعب، وهو ذو القرنين بن الحارث بن قيس بن صيفي بن سبأ الأصغر بن كعب بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن بكر بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ ابن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود عليه السلام. وكان أسم ذي القرنين الصعب، ولي الملك بعد أبيه الرائش، وهو الذي مكن الله له في الأرض وبلغ مشارقها ومغاربها، وذكره الله في كتابه، وسار بين الصدفين، وسد السد على يأجوج ومأجوج خلاف ما يزعمه بعض أهل العلم والمؤرخين واللغويين من أنه الإسكندر الروماني فإن الإسكندر اليوناني باني الإسكندرية لم يسد سداً، وكان يلقب بذي القرنين، وهو غلط فاحش وبذلك روجوا على ضعاف العقول وعارضوا القرآن العظيم، بأنه لا يوجد سد، ويقال: إن المقدوني اليوناني أو الإسكندر الروماني لم يسد سداً، وإنما الذي أقام السدود ذو القرنين، واسمه الصعب بن الرائش وقد ذكر المصطفى الغلاييني في كتابه فقال: تلقيب الإسكندر المقدوني بذي القرنين قد استفاض على ألسنة كثيرة من الناس واللغويين والمفسرين والمؤرخين وهو غلط فاحش؛ فإن ذا كلمة عربية محض؛ وذو القرنين من ألقاب ملوك اليمن، وكان منهم ذو جدن وذو كلاع وذو نواس وذو نشاتير وذو رعين وغير ذلك من ألقابهم. وذو القرنين، وهو الذي مكن الله له في الأرض وعظم ملكه وبنى السد على يأجوج ومأجوج، وهو الصعب بن الرائش. وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن ذي القرنين الذي ذكره الله في كتابه العزيز فقال: هو من حمير، وهذا يقوى أنه الصعب وأنه غير الإسكندر المقدوني باني الإسكندرية، هذا يوناني وهذا عربي، وكلاهما ملك ملكاً عظيماً، فأفهم هذا فإنه الحق الذي لا محيد عنه. وقد حققه أبو الفدا في تاريخه فراجعه عند ذكر الطبقة الثانية من ملوك الفرس، وكانت العرب قد ذكرته في أشعارها، ويفتخرون به ويعدونه في الملوك من قومهم، ويسمونه الصعب. ويؤخذ من أكثر الشعراء أن اسم ذي القرنين الصعب، عند العرب، ووقع ذكر ذي القرنين أيضا في كثير من أشعار العرب: في شعر امرئ القيس، وطرفة ودوس ومذحج وغيرهم، وفي كتاب نشر المحاسن اليمانية شيء كثير مما يطول نقله، هذه الأشعار إشارة تدل على أن ذا القرنين هو هذا وليس المقدوني. ثم ملك بعده ابنه أبرهة بن الصعب ذو القرنين المتقدم ذكره. وذكر أنه ثبت على وصية أبيه ذي القرنين وعمل بها وحفظها، وهو أول من نصب الأعلام، وبنى الأميال والعلامات على الطريق والمناهل؛ فلذلك سمي ذا المنار. وذكروا أنه ضرب في البلاد العاصية من شرقها وغربها ليفتحها ويأخذ إتاوتها وفي بعض الكتب، أن خراسان أخو فارس، وأخوهما كرمان والكرز الأكبر، وأبوهما يافث بن نوح عليه السلام، أما الروم الأولى فمن ولد إرم بن سام بن نوح ولإخوتهما الصقالبة والخزر واللات والكابل والصين والسند والهند وكل هؤلاء قد ملكها أبرهة بعد أبيه ذي القرنين الصعب. ثم إن أبرهة ذا المنار وصى أبنه عمراً ذا الأذعار فقال له: يا بني أن الملك زرع، والملك قيم ذلك الزرع، فإن أحسن القيم قيامه عليه في سقايته عند حاجته، وفي إبعاد غرائب النبات عنه، وبتعاهده إياه بالحماية عند المؤذيات من البهائم والطير، زكا حصاده، وحمده القيم، واستكرمت الأرض. وإن كان القيم غير ذلك، فلم يتفقد الزرع، ولم يتعهده بالحماية والحفظ أوهنه العطش، وأكلته الطيور، وداسته البهائم فلا الزرع نام، ولا الأرض معمورة، ولا القيم محمود. قال ثم إن عمراً ذا الأذعار ولى الملك بعد أبيه وخرج يتفقد الأعمال في شرق البلاد وغربها، فكان لا يسمع به قوم إلاولوا على أدبارهم خائفين مذعورين، فلذلك سمي ذا الأذعار